مَا يُحِبُّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ، وَيَكْرَهُ مَا يَكْرَهُهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ، وَيَرْضَى مَا يَرْضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ، وَيَسْخَطُ مَا يَسْخَطُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ، وَأَنْ يَعْمَلَ بِجَوَارِحِهِ بِمُقْتَضَى هَذَا الْحُبِّ وَالْبُغْضِ، فَإِنْ عَمِلَ بِجَوَارِحِهِ شَيْئًا يُخَالِفُ ذَلِكَ، فَإِنِ ارْتَكَبَ بَعْضَ مَا يَكْرَهُهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ، أَوْ تَرَكَ بَعْضَ مَا يُحِبُّهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ، مَعَ وُجُوبِهِ وَالْقُدْرَةِ عَلَيْهِ، دَلَّ ذَلِكَ عَلَى نَقْصِ مَحَبَّتِهِ الْوَاجِبَةِ، فَعَلَيْهِ أَنْ يَتُوبَ مِنْ ذَلِكَ، وَيَرْجِعَ إِلَى تَكْمِيلِ الْمَحَبَّةِ الْوَاجِبَةِ. قَالَ أَبُو يَعْقُوبَ النَّهْرُجُورِيُّ: كُلُّ مَنِ ادَّعَى مَحَبَّةَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَلَمْ يُوَافِقِ اللَّهَ فِي أَمْرِهِ، فَدَعَوَاهُ بَاطِلَةٌ، وَكُلُّ مُحِبٍّ لَيْسَ يَخَافُ اللَّهَ، فَهُوَ مَغْرُورٌ. وَقَالَ يَحْيَى بْنُ مُعَاذٍ: لَيْسَ بِصَادِقٍ مَنِ ادَّعَى مَحَبَّةَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَلَمْ يَحْفَظْ حُدُودَهُ. وَسُئِلَ رُوَيْمٌ عَنِ الْمَحَبَّةِ، فَقَالَ الْمُوَافَقَةُ: فِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ، وَأَنْشَدَ:
وَلَوْ قُلْتَ لِي مُتْ مُتُّ سَمْعًا وَطَاعَةً ... وَقُلْتُ لِدَاعِي الْمَوْتِ أَهْلًا وَمَرْحَبًا
وَلِبَعْضِ الْمُتَقَدِّمِينَ:
تَعْصِي الْإِلَهَ وَأَنْتَ تَزْعُمُ حُبَّهُ ... هَذَا لَعَمْرِي فِي الْقِيَاسِ شَنِيعُ
لَوْ كَانَ حُبُّكَ صَادِقًا لَأَطَعْتَهُ ... إِنَّ الْمُحِبَّ لِمَنْ يُحِبُّ مُطِيعُ
فَجَمِيعُ الْمَعَاصِي إِنَّمَا تَنْشَأُ مِنْ تَقْدِيمِ هَوَى النُّفُوسِ عَلَى مَحَبَّةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَقَدْ وَصَفَ اللَّهُ الْمُشْرِكِينَ بِاتِّبَاعِ الْهَوَى فِي مَوَاضِعَ مِنْ كِتَابِهِ، وَقَالَ تَعَالَى: {فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنَ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ} [القصص: 50] [الْقَصَصِ: 50] .
وَكَذَلِكَ الْبِدَعُ، إِنَّمَا تَنْشَأُ مِنْ تَقْدِيمِ الْهَوَى عَلَى الشَّرْعِ، وَلِهَذَا يُسَمَّى أَهْلُهَا أَهْلَ الْأَهْوَاءِ.