وَكَانَ جَمَاعَةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ يَتَّقُونَ سُكْنَى الْحَرَمِ، خَشْيَةَ ارْتِكَابِ الذُّنُوبِ فِيهِ: مِنْهُمُ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، وَكَذَلِكَ كَانَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ يَفْعَلُ، وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ يَقُولُ: الْخَطِيئَةُ فِيهِ أَعْظَمُ. وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، قَالَ: لَأَنْ أُخْطِئَ سَبْعِينَ خَطِيئَةً - يَعْنِي بِغَيْرِ مَكَّةَ - أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أُخْطِئَ خَطِيئَةً وَاحِدَةً بِمَكَّةَ. وَعَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: تُضَاعَفُ السَّيِّئَاتُ بِمَكَّةَ كَمَا تُضَاعَفُ الْحَسَنَاتُ. وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: بَلَغَنِي أَنَّ الْخَطِيئَةَ بِمَكَّةَ بِمِائَةِ خَطِيئَةٍ، وَالْحَسَنَةَ عَلَى نَحْوِ ذَلِكَ. وَقَالَ إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ: قُلْتُ لِأَحْمَدَ: فِي شَيْءٍ مِنَ الْحَدِيثِ أَنَّ السَّيِّئَةَ تُكْتَبُ بِأَكْثَرِ مِنْ وَاحِدَةٍ؟ قَالَ: لَا، مَا سَمِعْنَا إِلَّا بِمَكَّةَ لِتَعْظِيمِ الْبَلَدِ " وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا بِعَدَنِ أَبْيَنَ هَمَّ ". وَقَالَ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ كَمَا قَالَ أَحْمَدُ، وَقَوْلُهُ: " وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا بِعَدَنِ أَبْيَنَ هَمَّ " مِنْ قَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَسَنَذْكُرُهُ فِيمَا بَعْدُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

وَقَدْ تُضَاعَفُ السَّيِّئَاتُ بِشَرَفِ فَاعِلِهَا، وَقُوَّةِ مَعْرِفَتِهِ بِاللَّهِ، وَقُرْبِهِ مِنْهُ، فَإِنَّ مَنْ عَصَى السُّلْطَانَ عَلَى بِسَاطِهِ أَعْظَمُ جُرْمًا مِمَّنْ عَصَاهُ عَلَى بُعْدٍ، وَلِهَذَا تَوَعَّدَ اللَّهُ خَاصَّةَ عِبَادِهِ عَلَى الْمَعْصِيَةِ بِمُضَاعَفَةِ الْجَزَاءِ، وَإِنْ كَانَ قَدْ عَصَمَهُمْ مِنْهَا، لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَضْلَهُ عَلَيْهِمْ بِعِصْمَتِهِمْ مِنْ ذَلِكَ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا - إِذًا لَأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ} [الإسراء: 74 - 75] [الْإِسْرَاءِ: 74 - 75] . وَقَالَ تَعَالَى: {يَانِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا - وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ} [الأحزاب: 30 - 31]

طور بواسطة نورين ميديا © 2015