وَإِنْ حُمِلَ عَلَى مَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ، دَخَلَ فِيهِ الِاجْتِمَاعُ فِي الْمَسْجِدِ عَلَى دِرَاسَةِ الْقُرْآنِ مُطْلَقًا، وَقَدْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحْيَانًا يَأْمُرُ مَنْ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ لِيَسْمَعَ قِرَاءَتَهُ، كَمَا كَانَ ابْنُ مَسْعُودٍ يَقْرَأُ عَلَيْهِ، وَقَالَ: «إِنِّي أُحِبُّ أَنْ أَسْمَعَهُ مِنْ غَيْرِي» وَكَانَ عُمَرُ يَأْمُرُ مَنْ يَقْرَأُ عَلَيْهِ وَعَلَى أَصْحَابِهِ وَهُمْ يَسْمَعُونَ، فَتَارَةً يَأْمُرُ أَبَا مُوسَى، وَتَارَةً يَأْمُرُ عُقْبَةَ بْنَ عَامِرٍ.
وَسُئِلَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَيُّ الْعَمَلِ أَفْضَلُ؟ قَالَ ذِكْرُ اللَّهِ، وَمَا جَلَسَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللَّهِ يَتَعَاطَوْنَ فِيهِ كِتَابَ اللَّهِ فِيمَا بَيْنَهُمْ وَيَتَدَارَسُونَهُ، إِلَّا أَظَلَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ بِأَجْنِحَتِهَا، وَكَانُوا أَضْيَافَ اللَّهِ مَا دَامُوا عَلَى ذَلِكَ حَتَّى يُفِيضُوا فِي حَدِيثِ غَيْرِهِ. وَرُوِيَ مَرْفُوعًا وَالْمَوْقُوفُ أَصَحُّ.
وَرَوَى يَزِيدُ الرَّقَاشِيُّ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: كَانُوا إِذَا صَلُّوُا الْغَدَاةَ، قَعَدُوا حِلَقًا حِلَقًا، يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ، وَيَتَعَلَّمُونَ الْفَرَائِضَ وَالسُّنَنَ، وَيَذْكُرُونَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ.
وَرَوَى عَطِيَّةُ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَا مِنْ قَوْمٍ صَلُّوا صَلَاةَ الْغَدَاةِ، ثُمَّ قَعَدُوا فِي مُصَلَّاهُمْ، يَتَعَاطَوْنَ كِتَابَ اللَّهِ، وَيَتَدَارَسُونَهُ، إِلَّا وُكِّلَ بِهِمْ مَلَائِكَةً يَسْتَغْفِرُونَ لَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ» وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى اسْتِحْبَابِ الِاجْتِمَاعِ بَعْدَ صَلَاةِ الْغَدَاةِ لِمُدَارَسَةِ الْقُرْآنِ، وَلَكِنَّ عَطِيَّةَ فِيهِ ضَعْفٌ.
وَقَدْ رَوَى حَرْبُ الْكِرْمَانِيُّ بِإِسْنَادِهِ عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ أَنَّهُ سُئِلَ عَنِ الدِّرَاسَةِ بَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ، فَقَالَ: أَخْبَرَنِي حَسَّانُ بْنُ عَطِيَّةَ أَنَّ أَوَّلَ مَنْ أَحْدَثَهَا فِي مَسْجِدِ دِمَشْقَ هِشَامُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْمَخْزُومِيُّ فِي خِلَافَةِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ، فَأَخَذَ النَّاسُ بِذَلِكَ.