وَالثَّانِي: مَنْ كَانَ مُشْتَهِرًا بِالْمَعَاصِي، مُعْلِنًا بِهَا لَا يُبَالِي بِمَا ارْتَكَبَ مِنْهَا، وَلَا بِمَا قِيلَ لَهُ فَهَذَا هُوَ الْفَاجِرُ الْمُعْلِنُ، وَلَيْسَ لَهُ غِيبَةٌ، كَمَا نَصَّ عَلَى ذَلِكَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَغَيْرُهُ، وَمِثْلُ هَذَا لَا بَأْسَ بِالْبَحْثِ عَنْ أَمْرِهِ لِتُقَامَ عَلَيْهِ الْحُدُودُ. صَرَّحَ بِذَلِكَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا، وَاسْتَدَلَّ بِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَاغْدُ يَا أُنَيْسُ عَلَى امْرَأَةِ هَذَا، فَإِنِ اعْتَرَفَتْ، فَارْجُمْهَا» . وَمِثْلُ هَذَا لَا يُشْفَعُ لَهُ إِذَا أُخِذَ، وَلَوْ لَمْ يَبْلُغِ السُّلْطَانَ، بَلْ يُتْرَكُ حَتَّى يُقَامَ عَلَيْهِ الْحَدُّ لِيَنْكَفَّ شَرُّهُ، وَيَرْتَدِعَ بِهِ أَمْثَالُهُ. قَالَ مَالِكٌ: مَنْ لَمْ يُعْرَفْ مِنْهُ أَذًى لِلنَّاسِ، وَإِنَّمَا كَانَتْ مِنْهُ زَلَّةٌ، فَلَا بَأْسَ أَنْ يُشْفَعَ لَهُ مَا لَمْ يَبْلُغِ الْإِمَامَ، وَأَمَّا مَنْ عُرِفَ بِشَرٍّ أَوْ فَسَادٍ، فَلَا أُحِبُّ أَنْ يَشْفَعَ لَهُ أَحَدٌ، وَلَكِنْ يُتْرَكُ حَتَّى يُقَامَ عَلَيْهِ الْحَدُّ، حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَغَيْرُهُ.
وَكَرِهَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ رَفْعَ الْفُسَّاقِ إِلَى السُّلْطَانِ بِكُلِّ حَالٍ، وَإِنَّمَا كَرِهَهُ لِأَنَّهُمْ غَالِبًا لَا يُقِيمُونَ الْحُدُودَ عَلَى وَجْهِهَا، وَلِهَذَا قَالَ: إِنْ عَلِمْتَ أَنَّهُ يُقِيمُ عَلَيْهِ الْحَدَّ فَارْفَعْهُ، ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّهُمْ ضَرَبُوا رَجُلًا فَمَاتَ: يَعْنِي أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ قَتْلُهُ جَائِزًا.
وَلَوْ تَابَ أَحَدٌ مِنَ الضَّرْبِ الْأَوَّلِ، كَانَ الْأَفْضَلُ لَهُ أَنْ يَتُوبَ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى، وَيَسْتُرَ عَلَى نَفْسِهِ.
وَأَمَّا الضَّرْبُ الثَّانِي، فَقِيلَ: إِنَّهُ كَذَلِكَ، وَقِيلَ: بَلِ الْأَوْلَى لَهُ أَنْ يَأْتِيَ الْإِمَامَ، وَيُقِرَّ عَلَى نَفْسِهِ بِمَا يُوجِبُ الْحَدَّ حَتَّى يُطَهِّرَهُ.
قَوْلُهُ: «وَاللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ» وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ: «وَمَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ، كَانَ اللَّهُ فِي حَاجَتِهِ» . وَقَدْ سَبَقَ فِي شَرْحِ الْحَدِيثِ الْخَامِسِ وَالْعِشْرِينَ وَالسَّادِسِ وَالْعِشْرِينَ فَضْلُ قَضَاءِ الْحَوَائِجِ وَالسَّعْيِ