وَاخْتَلَفُوا: هَلِ النَّهْيُ لِلتَّحْرِيمِ أَوِ التَّنْزِيهِ، فَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ: هُوَ لِلتَّنْزِيهِ دُونَ التَّحْرِيمِ، وَالصَّحِيحُ الَّذِي عَلَيْهِ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ: أَنَّهُ لِلتَّحْرِيمِ.
وَاخْتَلَفُوا: هَلْ يَصِحُّ الْبَيْعُ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ، وَالنِّكَاحُ عَلَى خُطْبَتِهِ؟ فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَأَكْثَرُ أَصْحَابِنَا: يَصِحُّ، وَقَالَ مَالِكٌ فِي النِّكَاحِ: إِنَّهُ إِنْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا، فُرِّقَ بَيْنِهِمَا، وَإِنْ دَخَلَ بِهَا لَا يُفَرَّقُ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ مِنْ أَصْحَابِنَا فِي الْبَيْعِ وَالنِّكَاحِ: إِنَّهُ بَاطِلٌ بِكُلِّ حَالٍ، وَحَكَاهُ عَنْ أَحْمَدَ.
وَمَعْنَى الْبَيْعِ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ: أَنْ يَكُونَ قَدْ بَاعَ مِنْهُ شَيْئًا، فَيَبْذُلَ لِلْمُشْتَرِي سِلْعَتَهُ لِيَشْتَرِيَهَا، وَيَفْسَخَ بَيْعَ الْأَوَّلِ. وَهَلْ يَخْتَصُّ ذَلِكَ بِمَا إِذَا كَانَ الْبَذْلُ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ، بِحَيْثُ يَتَمَكَّنُ الْمُشْتَرِي مِنَ الْفَسْخِ فِيهِ، أَمْ هُوَ عَامٌّ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ وَبَعْدِهَا؟ فِيهِ اخْتِلَافٌ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ، وَقَدْ حَكَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ حَرْبٍ، وَمَالَ إِلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ عَامٌّ فِي الْحَالَيْنِ، وَهُوَ قَوْلُ طَائِفَةٍ مِنْ أَصْحَابِنَا. وَمِنْهُمْ مَنْ خَصَّهُ بِمَا إِذَا كَانَ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ مُشَيْشٍ وَمَنْصُوصِ الشَّافِعِيِّ، وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ، لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ وَإِنْ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنَ الْفَسْخِ بِنَفْسِهِ بَعْدَ انْقِضَاءِ مُدَّةِ الْخِيَارِ فَإِنَّهُ إِذَا رَغِبَ فِي رَدِّ السِّلْعَةِ الْأُولَى عَلَى بَائِعِهَا، فَإِنَّهُ يَتَسَبَّبُ إِلَى رَدِّهَا عَلَيْهِ بِأَنْوَاعٍ مِنَ الطُّرُقِ الْمُقْتَضِيَةِ لِضَرَرِهِ، وَلَوْ بِإِلْحَاحٍ عَلَيْهِ فِي الْمَسْأَلَةِ، وَمَا أَدَّى إِلَى ضَرَرِ الْمُسْلِمِ، كَانَ مُحَرَّمًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا» : هَذَا ذَكَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَالتَّعْلِيلِ لِمَا تَقَدَّمَ، وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّهُمْ إِذَا تَرَكُوا التَّحَاسُدَ، وَالتَّنَاجُشَ، وَالتَّبَاغُضَ، وَالتَّدَابُرَ، وَبَيْعَ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ، كَانُوا إِخْوَانًا.
وَفِيهِ أَمْرٌ بِاكْتِسَابِ مَا يَصِيرُ الْمُسْلِمُونَ بِهِ إِخْوَانًا عَلَى الْإِطْلَاقِ، وَذَلِكَ يَدْخُلُ فِيهِ أَدَاءُ حُقُوقِ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ مِنْ رَدِّ السَّلَامِ، وَتَشْمِيتِ الْعَاطِسِ، وَعِيَادَةِ الْمَرِيضِ، وَتَشْيِيعِ الْجِنَازَةِ، وَإِجَابَةِ الدَّعْوَةِ، وَالِابْتِدَاءِ بِالسَّلَامِ عِنْدَ اللِّقَاءِ، وَالنُّصْحِ بِالْغَيْبِ.