وَقِسْمٌ آخَرُ إِذَا وَجَدَ فِي نَفْسِهِ الْحَسَدَ، سَعَى فِي إِزَالَتِهِ، وَفِي الْإِحْسَانِ إِلَى الْمَحْسُودِ بِإِسْدَاءِ الْإِحْسَانِ إِلَيْهِ، وَالدُّعَاءِ لَهُ، وَنَشْرِ فَضَائِلِهِ، وَفِي إِزَالَةِ مَا وَجَدَ لَهُ فِي نَفْسِهِ مِنَ الْحَسَدِ حَتَّى يُبَدِّلَهُ بِمَحَبَّةِ أَنْ يَكُونَ أَخُوهُ الْمُسْلِمُ خَيْرًا مِنْهُ وَأَفْضَلَ، وَهَذَا مِنْ أَعْلَى دَرَجَاتِ الْإِيمَانِ، وَصَاحِبُهُ هُوَ الْمُؤْمِنُ الْكَامِلُ الَّذِي يُحِبُّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ، وَقَدْ سَبَقَ الْكَلَامُ عَلَى هَذَا فِي تَفْسِيرِ حَدِيثِ: «لَا يُؤْمِنْ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ» .

وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَلَا تَنَاجَشُوا: فَسَرَّهُ كَثِيرٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ بِالنَّجْشِ فِي الْبَيْعِ، وَهُوَ: أَنْ يَزِيدَ فِي السِّلْعَةِ مَنْ لَا يُرِيدُ شِرَاءَهَا، إِمَّا لِنَفْعِ الْبَائِعِ لِزِيَادَةِ الثَّمَنِ لَهُ، أَوْ بِإِضْرَارِ الْمُشْتَرِي بِتَكْثِيرِ الثَّمَنِ عَلَيْهِ، وَفِي " الصَّحِيحَيْنِ " عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ «نَهَى عَنِ النَّجْشِ» .

وَقَالَ ابْنُ أَبِي أَوْفَى: النَّاجِشُ: آكِلُ رِبًا خَائِنٌ، ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ.

قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ فَاعِلَهُ عَاصٍ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ إِذَا كَانَ بِالنَّهْيِ عَالِمًا.

وَاخْتَلَفُوا فِي الْبَيْعِ، فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: إِنَّهُ فَاسِدٌ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ، اخْتَارَهَا طَائِفَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: إِنْ كَانَ النَّاجِشُ هُوَ الْبَائِعُ أَوْ مَنْ وَاطَأَهُ الْبَائِعُ عَلَى النَّجْشِ فَسَدَ، لِأَنَّ النَّهْيَ هُنَا يَعُودُ إِلَى الْعَاقِدِ نَفْسِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ لَمْ يَفْسُدْ، لِأَنَّهُ يَعُودُ إِلَى أَجْنَبِيٍّ. وَكَذَا حُكِيَ عَنِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ عَلَّلَ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015