وَقِسْمٌ آخَرُ مِنَ النَّاسِ إِذَا حَسَدَ غَيْرَهُ، لَمْ يَعْمَلْ بِمُقْتَضَى حَسَدِهِ، وَلَمْ يَبْغِ عَلَى الْمَحْسُودِ بِقَوْلٍ وَلَا بِفِعْلٍ. وَقَدْ رُوِيَ عَنِ الْحَسَنِ أَنَّهُ لَا يَأْثَمُ بِذَلِكَ، وَرُوِيَ مَرْفُوعًا مِنْ وُجُوهٍ ضَعِيفَةٍ، وَهَذَا عَلَى نَوْعَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ لَا يُمْكِنَهُ إِزَالَةُ ذَلِكَ الْحَسَدِ مِنْ نَفْسِهِ، فَيَكُونَ مَغْلُوبًا عَلَى ذَلِكَ، فَلَا يَأْثَمُ بِهِ.
وَالثَّانِي: مَنْ يُحَدِّثُ نَفْسَهُ بِذَلِكَ اخْتِيَارًا، وَيُعِيدُهُ وَيُبْدِيهِ فِي نَفْسِهِ مُسْتَرْوِحًا إِلَى تَمَنِّي زَوَالِ نِعْمَةِ أَخِيهِ، فَهَذَا شَبِيهٌ بِالْعَزْمِ الْمُصَمِّمِ عَلَى الْمَعْصِيَةِ، وَفِي الْعِقَابِ عَلَى ذَلِكَ اخْتِلَافٌ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ، وَرُبَّمَا يُذْكَرُ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، لَكِنَّ هَذَا يَبْعُدُ أَنْ يَسْلَمَ مِنَ الْبَغْيِ عَلَى الْمَحْسُودِ، وَلَوْ بِالْقَوْلِ، فَيَأْثَمُ بِذَلِكَ.
وَقِسْمٌ آخَرُ إِذَا حَسَدَ لَمْ يَتَمَنَّ زَوَالَ نِعْمَةِ الْمَحْسُودِ، بَلْ يَسْعَى فِي اكْتِسَابِ مِثْلِ فَضَائِلِهِ، وَيَتَمَنَّى أَنْ يَكُونَ مِثْلَهُ، فَإِنْ كَانَتِ الْفَضَائِلُ دُنْيَوِيَّةً، فَلَا خَيْرَ فِي ذَلِكَ، كَمَا قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا: {يَالَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ} [القصص: 79] [الْقَصَصِ: 79] ، وَإِنْ كَانَتْ فَضَائِلَ دِينِيَّةً، فَهُوَ حَسَنٌ، وَقَدْ تَمَنَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الشَّهَادَةَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. وَفِي " الصَّحِيحَيْنِ " عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لَا حَسَدَ إِلَّا فِي اثْنَتَيْنِ: رَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ مَالًا، فَهُوَ يُنْفِقُهُ آنَاءَ اللَّيْلِ وَآنَاءَ النَّهَارِ، وَرَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ الْقُرْآنَ، فَهُوَ يَقُومُ بِهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَآنَاءَ النَّهَارِ» ، وَهَذَا هُوَ الْغِبْطَةُ، وَسَمَّاهُ حَسَدًا مِنْ بَابِ الِاسْتِعَارَةِ.