وَمِنْهَا أَنْ يَحْفِرَ بِئْرًا بِالْقُرْبِ مِنْ بِئْرِ جَارِهِ فَيَذْهَبُ مَاؤُهَا، فَإِنَّهَا تُطَمُّ فِي ظَاهِرِ مَذْهَبِ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ، وَخَرَّجَ أَبُو دَاوُدَ فِي " الْمَرَاسِيلِ " مِنْ حَدِيثِ أَبِي قِلَابَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَضَارُّوا فِي الْحَفْرِ، وَذَلِكَ أَنْ يَحْفِرَ الرَّجُلُ إِلَى جَنْبِ الرَّجُلِ لِيَذْهَبَ بِمَائِهِ» .
وَمِنْهَا أَنْ يُحْدِثَ فِي مِلْكِهِ مَا يَضُرُّ بِمِلْكِ جَارِهِ مِنْ هَزٍّ أَوْ دَقٍّ وَنَحْوِهِمَا، فَإِنَّهُ يُمْنَعُ مِنْهُ فِي ظَاهِرِ مَذْهَبِ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَهُوَ أَحَدُ الْوُجُوهِ لِلشَّافِعِيَّةِ.
وَكَذَا إِذَا كَانَ يَضُرُّ بِالسُّكَّانِ، كَمَا إِذَا كَانَ لَهُ رَائِحَةٌ خَبِيثَةٌ وَنَحْوُ ذَلِكَ.
وَمِنْهَا أَنْ يَكُونَ لَهُ مُلْكٌ فِي أَرْضِ غَيْرِهِ، وَيَتَضَرَّرُ صَاحِبُ الْأَرْضِ بِدُخُولِهِ إِلَى أَرْضِهِ، فَإِنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى إِزَالَتِهِ لِيَنْدَفِعَ بِهِ ضَرَرُ الدُّخُولِ، وَخَرَّجَ أَبُو دَاوُدَ فِي " سُنَنِهِ " مِنْ حَدِيثِ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ أَنَّهُ «حَدَّثَ سَمُرَةَ بْنَ جُنْدُبٍ أَنَّهُ كَانَتْ لَهُ عَضُدٌ مِنْ نَخْلٍ فِي حَائِطِ رَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ، وَمَعَ الرَّجُلِ أَهْلُهُ، فَكَانَ سَمُرَةُ يُدْخِلُ إِلَى نَخْلِهِ، فَيَتَأَذَّى بِهِ وَيَشُقُّ عَلَيْهِ، فَطَلَبَ إِلَيْهِ أَنْ يُنَاقِلَهُ، فَأَبَى فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ، فَطَلَبَ إِلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَبِيعَهُ، فَأَبَى، فَطَلَبَ إِلَيْهِ أَنْ يُنَاقِلَهُ، فَأَبَى، قَالَ: فَهَبْهُ لَهُ وَلَكَ كَذَا وَكَذَا أَمْرًا رَغَّبَهُ فِيهِ، فَأَبَى، فَقَالَ: أَنْتَ مُضَارٌّ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْأَنْصَارِيِّ: اذْهَبْ فَاقْلَعْ نَخْلَهُ» ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ مُرْسَلًا. قَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ حَنْبَلٍ بَعْدَ أَنْ ذُكِرَ لَهُ هَذَا الْحَدِيثُ: كُلُّ مَا كَانَ عَلَى هَذِهِ الْجِهَةِ وَفِيهِ ضَرَرٌ، يُمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ، فَإِنْ أَجَابَ وَإِلَّا أَجْبَرَهُ السُّلْطَانُ، وَلَا يَضُرُّ بِأَخِيهِ فِي ذَلِكَ، فِيهِ مِرْفَقٌ لَهُ.