وَالْخِلَافُ فِي هَذَا يُشْبِهُ الْخِلَافَ فِي إِبَاحَةِ طَعَامِ مَنْ لَا تُبَاحُ ذَبِيحَتُهُ مِنَ الْكُفَّارِ، وَفِي اسْتِعْمَالِ أَوَانِي الْمُشْرِكِينَ وَثِيَابِهِمْ، وَالْخِلَافُ فِيهَا يَرْجِعُ إِلَى قَاعِدَةِ تَعَارُضِ الْأَصْلِ وَالظَّاهِرِ، وَقَدْ سَبَقَ ذِكْرُ ذَلِكَ فِي الْكَلَامِ عَلَى حَدِيثِ: «الْحَلَالُ بَيِّنٌ وَالْحَرَامُ بَيِّنٌ، وَبَيْنَهُمَا أُمُورٌ مُشْتَبِهَاتٌ» .
وَقَوْلُهُ فِي الْأَشْيَاءِ الَّتِي سَكَتَ عَنْهَا: رَحْمَةً مِنْ غَيْرِ نِسْيَانٍ يَعْنِي أَنَّهُ إِنَّمَا سَكَتَ عَنْ ذِكْرِهَا رَحْمَةً بِعِبَادِهِ، وَرِفْقًا، حَيْثُ لَمْ يُحَرِّمْهَا عَلَيْهِمْ حَتَّى يُعَاقِبَهُمْ عَلَى فِعْلِهَا، وَلَمْ يُوجِبْهَا عَلَيْهِمْ حَتَّى يُعَاقِبَهُمْ عَلَى تَرْكِهَا، بَلْ جَعَلَهَا عَفْوًا، فَإِنْ فَعَلُوهَا، فَلَا حَرَجَ عَلَيْهِمْ، وَإِنْ تَرَكُوهَا فَكَذَلِكَ، وَفِي حَدِيثِ أَبِي الدَّرْدَاءِ: ثُمَّ تَلَا: {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} [مريم: 64] [مَرْيَمَ: 64] وَمِثْلُ قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنْسَى} [طه: 52] [طه: 52] .
وَقَوْلُهُ: فَلَا تَبْحَثُوا عَنْهَا يَحْتَمِلُ اخْتِصَاصَ هَذَا النَّهْيِ بِزَمَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ لِأَنَّ كَثْرَةَ الْبَحْثِ وَالسُّؤَالِ عَمَّا لَمْ يُذْكَرْ قَدْ يَكُونُ سَبَبًا لِنُزُولِ التَّشْدِيدِ فِيهِ بِإِيجَابٍ أَوْ تَحْرِيمٍ، وَحَدِيثُ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ يَدُلُّ عَلَى هَذَا، فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ النَّهْيُ عَامًّا، وَالْمَرْوِيُّ عَنْ سَلْمَانَ مِنْ قَوْلِهِ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ، فَإِنَّ كَثْرَةَ الْبَحْثِ وَالسُّؤَالِ عَنْ حُكْمِ مَا لَمْ يُذْكَرْ فِي الْوَاجِبَاتِ وَلَا فِي الْمُحَرَّمَاتِ، قَدْ يُوجِبُ اعْتِقَادَ تَحْرِيمِهِ، أَوْ إِيجَابِهِ، لِمُشَابَهَتِهِ لِبَعْضِ الْوَاجِبَاتِ أَوِ الْمُحَرَّمَاتِ، فَقَبُولُ الْعَافِيَةِ فِيهِ، وَتَرْكُ الْبَحْثِ عَنْهُ وَالسُّؤَالِ خَيْرٌ، وَقَدْ يَدْخُلُ ذَلِكَ فِي قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «هَلَكَ