وَأَمَّا مَا حُكِيَ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ قَالَ: كُلُّ مَا فِي الصَّلَاةِ فَهُوَ فَرْضٌ فَلَيْسَ كَلَامُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا نَقَلَ عَنْهُ ابْنُهُ عَبْدُ اللَّهِ أَنَّهُ قَالَ: كُلُّ شَيْءٍ فِي الصَّلَاةِ مِمَّا وَكَّدَهُ اللَّهُ فَهُوَ فَرْضٌ، وَهَذَا يَعُودُ إِلَى مَعْنَى قَوْلِهِ: إِنَّهُ لَا فَرْضَ إِلَّا مَا فِي الْقُرْآنِ وَالَّذِي وَكَّدَهُ اللَّهُ مِنْ أَمْرِ الصَّلَاةِ: الْقِيَامُ وَالْقِرَاءَةُ وَالرُّكُوعُ وَالسُّجُودُ، وَإِنَّمَا قَالَ أَحْمَدُ هَذَا لِأَنَّ بَعْضَ النَّاسِ كَانَ يَقُولُ: الصَّلَاةُ فَرْضٌ، وَالرُّكُوعُ وَالسُّجُودُ لَا أَقُولُ إِنَّهُ فَرْضٌ، وَلَكِنَّهُ سُنَّةٌ. وَقَدْ سُئِلَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ عَمَّنْ يَقُولُ ذَلِكَ، فَكَفَّرَهُ، فَقِيلَ لَهُ: إِنَّهُ يَتَأَوَّلُ، فَلَعَنَهُ، فَقَالَ: لَقَدْ قَالَ قَوْلًا عَظِيمًا. وَقَدْ نَقَلَهُ أَبُو بَكْرٍ النَّيْسَابُورِيُّ فِي كِتَابِ " مَنَاقِبِ مَالِكٍ " مِنْ وُجُوهٍ عَنْهُ.
وَرَوَى أَيْضًا بِإِسْنَادِهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونِ بْنِ الرَّمَّاحِ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، فَقُلْتُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ، مَا فِي الصَّلَاةِ مِنْ فَرِيضَةٍ وَمَا فِيهَا مِنْ سُنَّةٍ، أَوْ قَالَ: نَافِلَةٍ؟ فَقَالَ مَالِكٌ: كَلَامُ الزَّنَادِقَةِ أَخْرِجُوهُ.
وَنَقَلَ إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ عَنْ إِسْحَاقَ ابْنِ رَاهْوَيْهِ أَنَّهُ أَنْكَرَ تَقْسِيمَ أَجْزَاءِ الصَّلَاةِ إِلَى سُنَّةٍ وَوَاجِبٍ، فَقَالَ: كُلُّ مَا فِي الصَّلَاةِ، فَهُوَ وَاجِبٌ، وَأَشَارَ إِلَى أَنَّ مِنْهُ مَا تُعَادُ الصَّلَاةُ بِتَرْكِهِ، وَمِنْهُ مَا لَا تُعَادُ.
وَسَبَبُ هَذَا - وَاللَّهُ أَعْلَمُ - أَنَّ التَّعْبِيرَ بِلَفْظِ السُّنَّةِ قَدْ يُفْضِي إِلَى التَّهَاوُنِ بِفِعْلِ ذَلِكَ، وَإِلَى الزُّهْدِ فِيهِ وَتَرْكِهِ، وَهَذَا خِلَافُ مَقْصُودِ الشَّارِعِ مِنَ الْحَثِّ عَلَيْهِ، وَالتَّرْغِيبِ فِيهِ بِالطُّرُقِ الْمُؤَدِّيَةِ إِلَى فِعْلِهِ وَتَحْصِيلِهِ، فَإِطْلَاقُ لَفْظِ الْوَاجِبِ أَدْعَى إِلَى الْإِتْيَانِ بِهِ وَالرَّغْبَةِ فِيهِ.