وَقَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ حَنْبَلٍ: الْغَزْوُ وَاجِبٌ عَلَى النَّاسِ كُلِّهِمْ كَوُجُوبِ الْحَجِّ، فَإِذَا غَزَا بَعْضُهُمْ أَجَزَأَ عَنْهُمْ، وَلَا بُدَّ لِلنَّاسِ مِنَ الْغَزْوِ.

وَسَأَلَهُ الْمَرْوَزِيُّ عَنِ الْجِهَادِ: أَفَرْضٌ هُوَ؟ قَالَ: قَدِ اخْتَلَفُوا فِيهِ، وَلَيْسَ هُوَ مِثْلَ الْحَجِّ، وَمُرَادُهُ: أَنَّ الْحَجَّ لَا يَسْقُطُ عَمَّنْ لَمْ يَحُجَّ مَعَ الِاسْتِطَاعَةِ بِحَجِّ غَيْرِهِ، بِخِلَافِ الْجِهَادِ.

وَسُئِلَ عَنِ النَّفِيرِ: مَتَى يَجِبُ؟ فَقَالَ: أَمَّا إِيجَابٌ فَلَا أَدْرِي، وَلَكِنْ إِذَا خَافُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ، فَعَلَيْهِمْ أَنْ يَخْرُجُوا.

وَظَاهِرُ هَذَا التَّوَقُّفِ فِي إِطْلَاقِ لِفْظِ الْوَاجِبِ عَلَى مَا لَمْ يَأْتِ فِيهِ لَفْظُ الْإِيجَابِ تَوَرُّعًا، وَلِذَلِكَ تَوَقَّفَ فِي إِطْلَاقِ لَفْظِ الْحَرَامِ عَلَى مَا اخْتُلِفَ فِيهِ، وَتَعَارَضَتْ أَدِلَّتُهُ مِنْ نُصُوصِ الْكِتَابِ أَوِ السُّنَّةِ، فَقَالَ فِي مُتْعَةِ النِّسَاءِ: لَا أَقُولُ: هِيَ حَرَامٌ، وَلَكِنْ يُنْهَى عَنْهُ، وَلَمْ يَتَوَقَّفْ فِي مَعْنَى التَّحْرِيمِ، وَلَكِنْ فِي إِطْلَاقِ لَفْظِهِ، لِاخْتِلَافِ النُّصُوصِ وَالصَّحَابَةِ فِيهَا، هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ فِي تَفْسِيرِ كَلَامِ أَحْمَدَ.

وَقَالَ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ بِمِلْكِ الْيَمِينِ: لَا أَقُولُ: حَرَامٌ، وَلَكِنْ يُنْهَى عَنْهُ، وَالصَّحِيحُ فِي تَفْسِيرِهِ أَنَّهُ تَوَقَّفَ فِي إِطْلَاقِ لَفْظَةِ الْحَرَامِ دُونَ مَعْنَاهَا، وَهَذَا كُلُّهُ عَلَى سَبِيلِ الْوَرَعِ فِي الْكَلَامِ؛ حَذَرًا مِنَ الدُّخُولِ تَحْتَ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ} [النحل: 116] [النَّحْلِ: 116] .

قَالَ الرَّبِيعُ بْنُ خُثَيْمٍ: لِيَتَّقِ أَحَدُكُمْ أَنْ يَقُولَ: أَحَلَّ اللَّهُ كَذَا، وَحَرَّمَ كَذَا، فَيَقُولُ اللَّهُ: كَذَبْتَ، لَمْ أُحِلَّ كَذَا وَلَمْ أُحَرِّمْ كَذَا.

وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ: سَمِعْتُ مَالِكَ بْنَ أَنَسٍ يَقُولُ: أَدْرَكْتُ عُلَمَاءَنَا يَقُولُ أَحَدُهُمْ إِذَا سُئِلَ: أَكْرَهُ هَذَا، وَلَا أُحِبُّهُ، وَلَا يَقُولُ: حَلَالٌ وَلَا حَرَامٌ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015