قَالَ أَبُو بَكْرٍ السَّمْعَانِيُّ: هَذَا الْحَدِيثُ أَصْلٌ كَبِيرٌ مِنْ أُصُولِ الدِّينِ، قَالَ: وَحُكِيَ عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ قَالَ: لَيْسَ فِي أَحَادِيثِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدِيثٌ وَاحِدٌ أَجْمَعُ بِانْفِرَادِهِ لِأُصُولِ الْعِلْمِ وَفُرُوعِهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي ثَعْلَبَةَ، قَالَ: وَحُكِيَ عَنْ أَبِي وَاثِلَةَ الْمُزَنِيِّ أَنَّهُ قَالَ: جَمَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الدِّينَ فِي أَرْبَعِ كَلِمَاتٍ، ثُمَّ ذَكَرَ حَدِيثَ أَبِي ثَعْلَبَةَ.
قَالَ ابْنُ السَّمْعَانِيِّ: فَمَنْ عَمِلَ بِهَذَا الْحَدِيثِ، فَقَدْ حَازَ الثَّوَابَ، وَأَمِنَ الْعِقَابَ؛ لِأَنَّ مَنْ أَدَّى الْفَرَائِضَ، وَاجْتَنَبَ الْمَحَارِمَ، وَوَقَفَ عِنْدَ الْحُدُودِ، وَتَرَكَ الْبَحْثَ عَمَّا غَابَ عَنْهُ، فَقَدِ اسْتَوْفَى أَقْسَامَ الْفَضْلِ، وَأَوْفَى حُقُوقَ الدِّينِ، لِأَنَّ الشَّرَائِعَ لَا تَخْرُجُ عَنْ هَذِهِ الْأَنْوَاعِ الْمَذْكُورَةِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ انْتَهَى.
فَأَمَّا الْفَرَائِضُ فَمَا فَرَضَهُ اللَّهُ عَلَى عِبَادِهِ وَأَلْزَمَهُمُ الْقِيَامَ بِهِ، كَالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَالصِّيَامِ وَالْحَجِّ.
وَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ: هَلِ الْوَاجِبُ وَالْفَرْضُ بِمَعْنًى وَاحِدٍ أَمْ لَا؟ فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: هُمَا سَوَاءٌ، وَكُلُّ وَاجِبٍ بِدَلِيلٍ شَرْعِيٍّ بِكِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ أَوْ إِجْمَاعٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَدِلَّةِ الشَّرْعِ فَهُوَ فَرْضٌ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ عَنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِمْ، وَحُكِيَ رِوَايَةً عَنْ أَحْمَدَ؛ لِأَنَّهُ قَالَ: كُلُّ مَا فِي الصَّلَاةِ فَهُوَ فَرْضٌ.
وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: بَلِ الْفَرْضُ مَا ثَبَتَ بِدَلِيلٍ مَقْطُوعٍ بِهِ، وَالْوَاجِبُ مَا ثَبَتَ بِغَيْرِ مَقْطُوعٍ بِهِ، وَهُوَ قَوْلُ الْحَنَفِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ.
وَأَكْثَرُ النُّصُوصِ عَنْ أَحْمَدَ تُفَرِّقُ بَيْنَ الْفَرْضِ وَالْوَاجِبِ، فَنَقَلَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: لَا يُسَمَّى فَرْضًا إِلَّا مَا كَانَ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى، وَقَالَ فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ: مَا أَجْتَرِئُ أَنْ أَقُولَ: إِنَّهَا فَرْضٌ، مَعَ أَنَّهُ يَقُولُ بِوُجُوبِهَا، فَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ: مُرَادُهُ أَنَّ الْفَرْضَ مَا يَثْبُتُ بِالْكِتَابِ، وَالْوَاجِبَ مَا ثَبَتَ بِالسُّنَّةِ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: أَرَادَ أَنَّ الْفَرْضَ مَا ثَبَتَ بِالِاسْتِفَاضَةِ وَالنَّقْلِ الْمُتَوَاتِرِ، وَالْوَاجِبَ مَا ثَبَتَ مِنْ جِهَةِ الِاجْتِهَادِ، وَسَاغَ الْخِلَافُ فِي وُجُوبِهِ.