وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ، وَهُوَ أَصَحُّ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَحْمَدَ، فَإِنَّ إِيمَانَ الصِّدِّيقِينَ الَّذِينَ يَتَجَلَّى الْغَيْبُ لِقُلُوبِهِمْ حَتَّى يَصِيرَ كَأَنَّهُ شَهَادَةٌ، بِحَيْثُ لَا يَقْبَلُ التَّشْكِيكَ وَلَا الِارْتِيَابَ، لَيْسَ كَإِيمَانِ غَيْرِهِمْ مِمَّنْ لَمْ يَبْلُغْ هَذِهِ الدَّرَجَةَ بِحَيْثُ لَوْ شُكِّكَ لَدَخَلَهُ الشَّكُّ. وَلِهَذَا جَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرْتَبَةَ الْإِحْسَانِ أَنْ يَعْبُدَ الْعَبْدُ رَبَّهُ كَأَنَّهُ يَرَاهُ، وَهَذَا لَا يَحْصُلُ لِعُمُومِ الْمُؤْمِنِينَ، وَمِنْ هُنَا قَالَ بَعْضُهُمْ: مَا سَبَقَكُمْ أَبُو بَكْرٍ بِكَثْرَةِ صَوْمٍ وَلَا صَلَاةٍ، وَلَكِنْ بِشَيْءٍ وَقَرَ فِي صَدْرِهِ. وَسُئِلَ ابْنُ عُمَرَ: هَلْ كَانَتِ الصَّحَابَةُ يَضْحَكُونَ؟ فَقَالَ: نَعَمْ وَالْإِيمَانُ فِي قُلُوبِهِمْ أَمْثَالُ الْجِبَالِ. فَأَيْنَ هَذَا مِمَّنِ الْإِيمَانُ فِي قَلْبِهِ مَا يَزِنُ ذَرَّةً أَوْ شُعَيْرَةً؟ ! كَالَّذِينِ يَخْرُجُونَ مِنْ أَهْلِ التَّوْحِيدِ مِنَ النَّارِ، فَهَؤُلَاءِ يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ: لَمْ يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِهِمْ لِضَعْفِهِ عِنْدَهُمْ. وَهَذِهِ الْمَسَائِلُ - أَعْنِي مَسَائِلَ الْإِسْلَامِ وَالْإِيمَانِ وَالْكُفْرِ وَالنِّفَاقِ - مَسَائِلُ عَظِيمَةٌ جِدًّا، فَإِنَّ اللَّهَ عَلَّقَ بِهَذِهِ الْأَسْمَاءِ السَّعَادَةَ وَالشَّقَاوَةَ، وَاسْتِحْقَاقَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ، وَالِاخْتِلَافَ فِي مُسَمَّيَاتِهَا أَوَّلَ اخْتِلَافٍ وَقَعَ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ، وَهُوَ خِلَافُ الْخَوَارِجِ لِلصَّحَابَةِ، حَيْثُ أَخْرَجُوا عُصَاةَ الْمُوَحِّدِينَ مِنَ الْإِسْلَامِ بِالْكُلِّيَّةِ، وَأَدْخَلُوهُمْ فِي دَائِرَةِ الْكُفْرِ، وَعَامَلُوهُمْ مُعَامَلَةَ الْكَفَّارِ، وَاسْتَحَلُّوا بِذَلِكَ دِمَاءَ الْمُسْلِمِينَ وَأَمْوَالَهُمْ، ثُمَّ حَدَثَ بَعْدَهُمْ خِلَافُ الْمُعْتَزِلَةِ وَقَوْلُهُمْ بِالْمَنْزِلَةِ بَيْنَ الْمَنْزِلَتَيْنِ، ثُمَّ حَدَثَ خِلَافُ الْمُرْجِئَةِ، وَقَوْلُهُمْ: إِنَّ الْفَاسِقَ مُؤْمِنٌ كَامِلُ الْإِيمَانِ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015