فَلَوْلَا أَنَّ الْإِسْلَامَ الْمُطْلَقَ يَدْخُلُ فِيهِ الْإِيمَانُ وَالتَّصْدِيقُ بِالْأُصُولِ الْخَمْسَةِ، لَمْ يَصِرْ مَنْ قَالَ: أَنَا مُسْلِمٌ مُؤْمِنًا بِمُجَرَّدِ هَذَا الْقَوْلِ، وَقَدْ أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ مَلِكَةِ سَبَأٍ أَنَّهَا دَخَلَتْ فِي الْإِسْلَامِ بِهَذِهِ الْكَلِمَةِ: {قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [النمل: 44] (النَّمْلِ: 44) ، وَأَخْبَرَ، عَنْ يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّهُ دَعَا بِالْمَوْتِ عَلَى الْإِسْلَامِ. وَهَذَا كُلُّهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْإِسْلَامَ الْمُطْلَقَ يَدْخُلُ فِيهِ مَا يَدْخُلُ فِي الْإِيمَانِ مِنَ التَّصْدِيقِ. وَفِي " سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ " «عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ؛ قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا عَدِيُّ، أَسْلِمْ تَسْلَمْ، قُلْتُ: وَمَا الْإِسْلَامُ؟ قَالَ: تَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَتَشْهَدُ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ، وَتُؤْمِنُ بِالْأَقْدَارِ كُلِّهَا خَيْرِهَا وَشَرِّهَا، وَحُلْوِهَا وَمُرِّهَا» فَهَذَا نَصٌّ فِي أَنَّ الْإِيمَانَ بِالْقَدَرِ مِنَ الْإِسْلَامِ. ثُمَّ إِنَّ الشَّهَادَتَيْنِ مِنْ خِصَالِ الْإِسْلَامِ بِغَيْرِ نِزَاعٍ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ الْإِتْيَانَ بِلَفْظِهِمَا دُونَ التَّصْدِيقِ بِهِمَا، فَعُلِمَ أَنَّ التَّصْدِيقَ بِهِمَا دَاخِلٌ فِي الْإِسْلَامِ، وَقَدْ فَسَّرَ الْإِسْلَامَ الْمَذْكُورَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ} [آل عمران: 19] (آلِ عِمْرَانَ: 19) بِالتَّوْحِيدِ وَالتَّصْدِيقِ طَائِفَةٌ مِنَ السَّلَفِ، مِنْهُمْ مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ. وَأَمَّا إِذَا نُفِيَ الْإِيمَانُ عَنْ أَحَدٍ، وَأُثْبِتَ لَهُ الْإِسْلَامُ، كَالْأَعْرَابِ الَّذِينَ أَخْبَرَ اللَّهُ عَنْهُمْ، فَإِنَّهُ يَنْتَفِي عَنْهُمْ رُسُوخُ الْإِيمَانِ فِي الْقَلْبِ، وَتَثْبُتُ لَهُمُ الْمُشَارَكَةُ فِي أَعْمَالِ الْإِسْلَامِ الظَّاهِرَةِ مَعَ نَوْعِ إِيمَانٍ يُصَحِّحُ لَهُمُ الْعَمَلَ، إِذْ لَوْلَا هَذَا الْقَدْرُ مِنَ الْإِيمَانِ، لَمْ يَكُونُوا مُسْلِمِينَ، وَإِنَّمَا نُفِيَ عَنْهُمُ الْإِيمَانُ، لِانْتِفَاءِ ذَوْقِ حَقَائِقِهِ، وَنَقْصِ بَعْضِ وَاجِبَاتِهِ، وَهَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ التَّصْدِيقَ الْقَائِمَ بِالْقُلُوبِ مُتَفَاضِلٌ