وَفِي هَذِهِ الْأَزْمَانِ الَّتِي بَعُدَ الْعَهْدُ فِيهَا بِعُلُومِ السَّلَفِ يَتَعَيَّنُ ضَبْطُ مَا نُقِلَ عَنْهُمْ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ، لِيَتَمَيَّزَ بِهِ مَا كَانَ مِنَ الْعِلْمِ مَوْجُودًا فِي زَمَانِهِمْ، وَمَا حَدَثَ مِنْ ذَلِكَ بَعْدَهُمْ، فَيُعْلَمُ بِذَلِكَ السُّنَّةُ مِنَ الْبِدْعَةِ.

وَقَدْ صَحَّ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَالَ: إِنَّكُمْ قَدْ أَصْبَحْتُمُ الْيَوْمَ عَلَى الْفِطْرَةِ، وَإِنَّكُمْ سَتُحْدِثُونَ وَيُحْدَثُ لَكُمْ، فَإِذَا رَأَيْتُمْ مُحْدَثَةً، فَعَلَيْكُمْ بِالْهَدْيِ الْأَوَّلِ. وَابْنُ مَسْعُودٍ قَالَ هَذَا فِي زَمَنِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ.

وَرَوَى ابْنُ حُمَيْدٍ عَنْ مَالِكٍ قَالَ: لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِنْ هَذِهِ الْأَهْوَاءِ فِي عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ. وَكَأَنَّ مَالِكًا يُشِيرُ بِالْأَهْوَاءِ إِلَى مَا حَدَثَ مِنَ التَّفَرُّقِ فِي أُصُولِ الدِّيَانَاتِ مِنْ أَمْرِ الْخَوَارِجِ وَالرَّوَافِضِ وَالْمُرْجِئَةِ وَنَحْوِهِمْ مِمَّنْ تَكَلَّمَ فِي تَكْفِيرِ الْمُسْلِمِينَ، وَاسْتِبَاحَةِ دِمَائِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ، أَوْ فِي تَخْلِيدِهِمْ فِي النَّارِ، أَوْ فِي تَفْسِيقِ خَوَاصِّ هَذِهِ الْأُمَّةِ، أَوْ عَكْسِ ذَلِكَ، فَزَعَمَ أَنَّ الْمَعَاصِيَ لَا تَضُرُّ أَهْلَهَا، أَوْ أَنَّهُ لَا يَدْخُلُ النَّارَ مِنْ أَهْلِ التَّوْحِيدِ أَحَدٌ.

وَأَصْعَبُ مِنْ ذَلِكَ مَا أُحْدِثَ مِنَ الْكَلَامِ فِي أَفْعَالِ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ قَضَائِهِ وَقَدَرِهِ، فَكَذَبَ بِذَلِكَ مَنْ كَذَبَ، وَزَعَمَ أَنَّهُ نَزَّهَ اللَّهَ بِذَلِكَ عَنِ الظُّلْمِ.

وَأَصْعَبُ مِنْ ذَلِكَ مَا أُحْدِثَ مِنَ الْكَلَامِ فِي ذَاتِ اللَّهِ وَصِفَاتِهِ، مِمَّا سَكَتَ عَنْهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ وَالتَّابِعُونَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ، فَقَوْمٌ نَفَوْا كَثِيرًا مِمَّا أُورِدَ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ مِنْ ذَلِكَ، وَزَعَمُوا أَنَّهُمْ فَعَلُوهُ تَنْزِيهًا لِلَّهِ عَمَّا تَقْتَضِي الْعُقُولُ تَنْزِيهَهُ عَنْهُ، وَزَعَمُوا أَنَّ لَازِمَ ذَلِكَ مُسْتَحِيلٌ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَقَوْمٌ لَمْ يَكْتَفُوا بِإِثْبَاتِهِ، حَتَّى أَثْبَتُوا بِإِثْبَاتِهِ مَا يُظَنُّ أَنَّهُ لَازِمٌ لَهُ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمَخْلُوقِينَ، وَهَذِهِ اللَّوَازِمُ نَفْيًا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015