وَلَعَلَّ الْحَسَنَ أَشَارَ بِكَلَامِهِ الَّذِي حَكَيْنَاهُ عَنْهُ مِنْ قَبْلُ إِلَى هَذَا فَإِنَّ تَحَقُّقَ الْقَلْبِ بِمَعْنَى " لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ " وَصِدْقَهُ فِيهَا، وَإِخْلَاصَهُ بِهَا يَقْتَضِي أَنْ يُرَسِّخَ فِيهِ تَأَلُّهَ اللَّهِ وَحْدَهُ، إِجْلَالًا، وَهَيْبَةً، وَمَخَافَةً، وَمَحَبَّةً، وَرَجَاءً، وَتَعْظِيمًا، وَتَوَكُّلًا، وَيَمْتَلِئَ بِذَلِكَ، وَيَنْتَفِيَ عَنْهُ تَأْلُّهُ مَا سِوَاهُ مِنَ الْمَخْلُوقِينَ، وَمَتَى كَانَ كَذَلِكَ، لَمْ يَبْقَ فِيهِ مَحَبَّةٌ، وَلَا إِرَادَةٌ، وَلَا طَلَبٌ لِغَيْرِ مَا يُرِيدُ اللَّهُ وَيُحِبُّهُ وَيَطْلُبُهُ، وَيَنْتَفِي بِذَلِكَ مِنَ الْقَلْبِ جَمِيعُ أَهْوَاءِ النُّفُوسِ وَإِرَادَاتِهَا، وَوَسَاوِسُ الشَّيْطَانِ، فَمَنْ أَحَبَّ شَيْئًا وَأَطَاعَهُ، وَأَحَبَّ عَلَيْهِ وَأَبْغَضَ عَلَيْهِ، فَهُوَ إِلَهُهُ، فَمَنْ كَانَ لَا يُحِبُّ وَلَا يُبْغِضُ إِلَّا لِلَّهِ، وَلَا يُوَالِي وَلَا يُعَادِي إِلَّا لَهُ، فَاللَّهُ إِلَهُهُ حَقًّا، وَمَنْ أَحَبَّ لِهَوَاهُ، وَأَبْغَضَ لَهُ، وَوَالَى عَلَيْهِ، وَعَادَى عَلَيْهِ، فَإِلَهُهُ هَوَاهُ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ} [الجاثية: 23] [الْجَاثِيَةِ: 23] قَالَ الْحَسَنُ: هُوَ الَّذِي لَا يَهْوَى شَيْئًا إِلَّا رَكِبَهُ، وَقَالَ قَتَادَةُ: هُوَ الَّذِي كُلَّمَا هَوَى شَيْئًا رَكِبَهُ، وَكُلَّمَا اشْتَهَى شَيْئًا، أَتَاهُ لَا يَحْجِزُهُ عَنْ ذَلِكَ وَرَعٌ وَلَا تَقْوَى. وَيُرْوَى مِنْ حَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ مَرْفُوعًا " «مَا تَحْتَ ظِلِّ السَّمَاءِ إِلَهٌ يُعْبَدُ أَعْظَمُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ هَوًى مُتَّبَعٍ» ".
وَكَذَلِكَ مَنْ أَطَاعَ الشَّيْطَانَ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ، فَقَدْ عَبَدَهُ، كَمَا قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ} [يس: 60] [يس: 60] .
فَتَبَيَّنَ بِهَذَا أَنَّهُ لَا يَصِحُّ تَحْقِيقُ مَعْنَى قَوْلِ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ إِلَّا لِمَنْ لَمْ يَكُنْ فِي قَلْبِهِ إِصْرَارٌ عَلَى مَحَبَّةِ مَا يَكْرَهُهُ اللَّهُ، وَلَا عَلَى إِرَادَةِ مَا لَا يُرِيدُهُ اللَّهُ، وَمَتَى