عَمَلٌ، كَمَا لَا يَنْفَعُ مَعَ تَرْكِهَا عَمَلٌ؟ فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: عِشْ وَلَا تَغْتَرَّ.
وَقَالَتْ طَائِفَةٌ - مِنْهُمُ الضَّحَّاكُ وَالزُّهْرِيُّ -: كَانَ هَذَا قَبْلَ الْفَرَائِضِ وَالْحُدُودِ، فَمِنْ هَؤُلَاءِ مَنْ أَشَارَ إِلَى أَنَّهَا نُسِخَتْ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: بَلْ ضُمَّ إِلَيْهَا شُرُوطٌ زِيدَتْ عَلَيْهَا، وَزِيَادَةُ الشُّرُوطِ هَلْ هِيَ نَسْخٌ أَمْ لَا؟ فِيهِ خِلَافٌ مَشْهُورٌ بَيْنَ الْأُصُولِيِّينَ، وَفِي هَذَا كُلِّهِ نَظَرٌ، فَإِنَّ كَثِيرًا مِنْ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ مُتَأَخِّرٌ بَعْدَ الْفَرَائِضِ وَالْحُدُودِ.
وَقَالَ الثَّوْرِيُّ: نَسَخَتْهَا الْفَرَائِضُ وَالْحُدُودُ، فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ مَا أَرَادَهُ هَؤُلَاءِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ أَنَّ وُجُوبَ الْفَرَائِضِ وَالْحُدُودِ تُبَيِّنُ بِهَا أَنَّ عُقُوبَاتِ الدُّنْيَا لَا تَسْقُطُ بِمُجَرَّدِ الشَّهَادَتَيْنِ، فَكَذَلِكَ عُقُوبَاتُ الْآخِرَةِ، وَمِثْلُ هَذَا الْبَيَانِ وَإِزَالَةُ الْإِيهَامِ كَانَ السَّلَفُ يُسَمُّونَهُ نَسْخًا، وَلَيْسَ هُوَ بِنَسْخٍ فِي الِاصْطِلَاحِ الْمَشْهُورِ.
وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: هَذِهِ النُّصُوصُ الْمُطْلَقَةُ جَاءَتْ مُقَيَّدَةً بِأَنْ يَقُولَهَا بِصِدْقٍ وَإِخْلَاصٍ، وَإِخْلَاصُهَا وَصِدْقُهَا يَمْنَعُ الْإِصْرَارَ عَلَى مَعْصِيَةٍ.
وَجَاءَ مِنْ مَرَاسِيلِ الْحَسَنِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «مَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مُخْلِصًا دَخَلَ الْجَنَّةَ " قِيلَ: وَمَا إِخْلَاصُهَا؟ قَالَ: " أَنْ تَحْجِزَكَ عَمَّا حَرَّمَ اللَّهُ» ". وَرُوِيَ ذَلِكَ مُسْنَدًا مِنْ وُجُوهٍ أُخَرَ ضَعِيفَةٍ.