عَنْهُ الرَّحْمَنُ. وَقَالَ بِشْرُ بْنُ الْحَارِثِ: بَلَغَنِي عَنِ الْفُضَيْلِ بْنِ عِيَاضٍ قَالَ: بُكَاءُ النَّهَارِ يَمْحُو ذُنُوبَ الْعَلَانِيَةِ، وَبُكَاءُ اللَّيْلِ يَمْحُو ذُنُوبَ السِّرِّ. وَقَدْ ذَكَرْنَا قَوْلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَلَا أَدُلُّكُمْ عَلَى مَا يَمْحُو اللَّهُ بِهِ الْخَطَايَا وَيَرْفَعُ بِهِ الدَّرَجَاتِ؟» الْحَدِيثَ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لَا تُمْحَى الذُّنُوبُ مِنْ صَحَائِفِ الْأَعْمَالِ بِتَوْبَةٍ وَلَا غَيْرِهَا، بَلْ لَابُدَّ أَنْ يُوقِفَ عَلَيْهَا صَاحَبَهَا وَيَقْرَأَهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَاسْتَدَلُّوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا} [الكهف: 49] [الْكَهْفِ: 49] ، وَفِي الِاسْتِدْلَالِ بِهَذِهِ الْآيَةِ نَظَرٌ، لِأَنَّهُ إِنَّمَا ذَكَرَ فِيهَا حَالَ الْمُجْرِمِينَ، وَهُمْ أَهْلُ الْجَرَائِمِ وَالذُّنُوبِ الْعَظِيمَةِ، فَلَا يَدْخُلُ فِيهِمُ الْمُؤْمِنُونَ التَّائِبُونَ مِنْ ذُنُوبِهِمْ، أَوِ الْمَغْمُورَةُ ذُنُوبُهُمْ بِحَسَنَاتِهِمْ. وَأَظْهَرُ مِنْ هَذَا الِاسْتِدْلَالُ بِقَوْلِهِ: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ - وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} [الزلزلة: 7 - 8] [الزَّلْزَلَةِ: 7 - 8] ، وَقَدْ ذَكَرَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ هُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ، وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْقَوْلُ عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، وَبِلَالِ بْنِ سَعْدٍ الدِّمَشْقِيِّ، قَالَ الْحَسَنُ: فَالْعَبْدُ يُذْنِبُ، ثُمَّ يَتُوبُ، وَيَسْتَغْفِرُ: يُغْفَرُ لَهُ، وَلَكِنْ لَا يُمْحَاهُ مِنْ كِتَابِهِ دُونَ أَنْ يَقِفَهُ عَلَيْهِ، ثُمَّ يَسْأَلُهُ عَنْهُ، ثُمَّ بَكَى الْحَسَنُ بُكَاءً شَدِيدًا، وَقَالَ: وَلَوْ لَمْ نَبْكِ إِلَّا لِلْحَيَاءِ مِنْ ذَلِكَ الْمَقَامِ، لَكَانَ يَنْبَغِي لَنَا أَنْ نَبْكِيَ. وَقَالَ بِلَالُ بْنُ سَعْدٍ: إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ، وَلَكِنْ لَا يَمْحُوهَا مِنَ الصَّحِيفَةِ حَتَّى يُوقِفَهُ عَلَيْهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَإِنْ تَابَ. وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: يُدْنِي اللَّهُ الْعَبْدَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَيَضَعُ عَلَيْهِ كَنَفَهُ، فَيَسْتُرُهُ مِنَ الْخَلَائِقِ كُلِّهَا، وَيَدْفَعُ إِلَيْهِ كِتَابَهُ فِي ذَلِكَ السَّتْرِ، فَيَقُولُ: اقْرَأْ يَا ابْنَ آدَمَ كِتَابَكَ، فَيَقْرَأُ، فَيَمُرُّ بِالْحَسَنَةِ فَيَبْيَضُّ لَهَا وَجْهُهُ، وَيُسَرُّ بِهَا قَلْبُهُ، فَيَقُولُ اللَّهُ: أَتَعْرِفُ يَا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015