فَيَجْتَرِئُ عَلَيْهِ الْفُسَّاقُ، فَالْمُؤْمِنُ إِذَا بُغِيَ عَلَيْهِ، يُظْهِرُ الْقُدْرَةَ عَلَى الِانْتِقَامِ، ثُمَّ يَعْفُو بَعْدَ ذَلِكَ، وَقَدْ جَرَى مِثْلُ هَذَا لِكَثِيرٍ مِنَ السَّلَفِ، مِنْهُمْ قَتَادَةُ وَغَيْرُهُ. فَهَذِهِ الْآيَاتُ تَتَضَمَّنُ جَمِيعَ مَا ذَكَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي وَصِيَّتِهِ لِمُعَاذٍ، فَإِنَّهَا تَضَمَّنَتْ حُصُولَ خِصَالِ التَّقْوَى بِفِعْلِ الْوَاجِبَاتِ، وَالِانْتِهَاءِ عَنْ كَبَائِرِ الْمُحَرَّمَاتِ وَمُعَامَلَةِ الْخَلْقِ بِالْإِحْسَانِ وَالْعَفْوِ، وَلَازِمُ هَذَا أَنَّهُمْ إِنْ وَقَعَ مِنْهُمْ شَيْءٌ مِنَ الْإِثْمِ مِنْ غَيْرِ الْكَبَائِرِ وَالْفَوَاحِشِ، يَكُونُ مَغْمُورًا بِخِصَالِ التَّقْوَى الْمُقْتَضِيَةِ لِتَكْفِيرِهَا وَمَحْوِهَا. وَأَمَّا الْآيَاتُ الَّتِي فِي سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ، فَوَصَفَ فِيهَا الْمُتَّقِينَ بِالْإِحْسَانِ إِلَى الْخَلْقِ، وَبِالِاسْتِغْفَارِ مِنَ الْفَوَاحِشِ وَظُلْمِ النَّفْسِ، وَعَدَمِ الْإِصْرَارِ عَلَى ذَلِكَ، وَهَذَا هُوَ الْأَكْمَلُ، وَهُوَ إِحْدَاثُ التَّوْبَةِ، وَالِاسْتِغْفَارُ عُقَيْبَ كُلِّ ذَنْبٍ مِنَ الذُّنُوبِ صَغِيرًا كَانَ أَوْ كَبِيرًا، كَمَا رُوِيَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَّى بِذَلِكَ مُعَاذًا، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِيمَا سَبَقَ. وَإِنَّمَا بَسَطْنَا الْقَوْلَ فِي هَذَا، لِأَنَّ حَاجَةَ الْخَلْقِ إِلَيْهِ شَدِيدَةٌ، وَكُلُّ أَحَدٍ يَحْتَاجُ إِلَى مَعْرِفَةِ هَذَا، ثُمَّ إِلَى الْعَمَلِ بِمُقْتَضَاهُ، وَاللَّهُ الْمُوَفِّقُ وَالْمُعِينُ. فَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَتْبِعِ السَّيِّئَةَ الْحَسَنَةَ تَمْحُهَا» ظَاهِرُهُ أَنَّ السَّيِّئَاتِ تُمْحَى بِالْحَسَنَاتِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ الْآثَارِ الَّتِي فِيهَا أَنَّ السَّيِّئَةَ تُمْحَى مِنْ صُحُفِ الْمَلَائِكَةِ بِالْحَسَنَةِ إِذَا عُمِلَتْ بَعْدَهَا. قَالَ عَطِيَّةُ الْعَوْفِيُّ: بَلَغَنِي أَنَّهُ مَنْ بَكَى عَلَى خَطِيئَةٍ مُحِيَتْ عَنْهُ، وَكُتِبَتْ لَهُ حَسَنَةٌ. وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: مَنْ ذَكَرَ خَطِيئَةً عَمِلَهَا، فَوَجِلَ قَلْبُهُ مِنْهَا، فَاسْتَغْفَرَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَمْ يَحْبِسْهَا شَيْءٌ حَتَّى يَمْحُوَهَا