{حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ - أُولَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجَاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ} [الأحقاف: 15 - 16] [الْأَحْقَافِ: 15 - 16] . وَقَالَ تَعَالَى: {وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ - لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ - لِيُكَفِّرَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الزمر: 33 - 35] [الزُّمَرِ: 33 - 35] ، فَلَمَّا وَصَفَ هَؤُلَاءِ بِالتَّقْوَى وَالْإِحْسَانِ، دَلَّ عَلَى أَنَّهُمْ لَيْسُوا بِمُصِرِّينَ عَلَى الذُّنُوبِ، بَلْ تَائِبُونَ مِنْهَا. وَقَوْلُهُ: {لِيُكَفِّرَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا} [الزمر: 35] يَدْخُلُ فِيهِ الْكَبَائِرُ، لِأَنَّهَا أَسْوَأُ الْأَعْمَالِ، وَقَالَ: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا} [الطلاق: 5] [الطَّلَاقِ: 5] ، فَرَتَّبَ عَلَى التَّقْوَى الْمُتَضَمِّنَةِ لِفِعْلِ الْوَاجِبَاتِ وَتَرْكِ الْمُحَرَّمَاتِ تَكْفِيرَ السَّيِّئَاتِ وَتَعْظِيمَ الْأَجْرِ، وَأَخْبَرَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ الْمُتَفَكِّرِينَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنَّهُمْ قَالُوا: {رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ} [آل عمران: 193] [آلِ عِمْرَانَ: 193] ، فَأَخْبَرَ أَنَّهُ اسْتَجَابَ لَهُمْ ذَلِكَ، وَأَنَّهُ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهُمْ، وَأَدْخَلَهُمُ الْجَنَّاتِ. وَقَوْلُهُ: {فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا} [آل عمران: 193] فَخَصَّ اللَّهُ الذُّنُوبَ بِالْمَغْفِرَةِ، وَالسَّيِّئَاتِ بِالتَّكْفِيرِ. فَقَدْ يُقَالُ: السَّيِّئَاتُ تَخُصُّ الصَّغَائِرَ، وَالذُّنُوبُ يُرَادُ بِهَا الْكَبَائِرُ، فَالسَّيِّئَاتُ تُكَفَّرُ، لِأَنَّ اللَّهَ جَعَلَ لَهَا كَفَّارَاتٍ فِي الدُّنْيَا شَرْعِيَّةً وَقَدَرِيَّةً، وَالذُّنُوبُ تَحْتَاجُ إِلَى مَغْفِرَةٍ تَقِي صَاحِبَهَا مِنْ شَرِّهَا وَالْمَغْفِرَةُ وَالتَّكْفِيرُ مُتَقَارِبَانِ، فَإِنَّ الْمَغْفِرَةَ قَدْ قِيلَ: إِنَّهَا سَتْرُ الذُّنُوبِ، وَقِيلَ: وِقَايَةُ شَرِّ الذُّنُوبِ مَعَ سَتْرِهِ، وَلِهَذَا يُسَمَّى مَا سَتَرَ الرَّأْسَ وَوَقَاهُ فِي الْحَرْبِ مِغْفَرًا، وَلَا يُسَمَّى كُلُّ سَاتِرٍ لِلرَّأْسِ مِغْفَرًا، وَقَدْ أَخْبَرَ اللَّهُ عَنِ الْمَلَائِكَةِ أَنَّهُمْ يَدْعُونَ لِلْمُؤْمِنِينَ التَّائِبِينَ بِالْمَغْفِرَةِ وَوِقَايَةِ السَّيِّئَاتِ