وَكَانُوا يَتَّهِمُونَ أَعْمَالَهُمْ وَتَوْبَاتِهِمْ، وَيَخَافُونَ أَنْ لَا يَكُونَ قَدْ قُبِلَ مِنْهُمْ ذَلِكَ، فَكَانَ ذَلِكَ يُوجِبُ لَهُمْ شِدَّةَ الْخَوْفِ، وَكَثْرَةَ الِاجْتِهَادِ فِي الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ. قَالَ الْحَسَنُ: أَدْرَكْتُ أَقْوَامًا لَوْ أَنْفَقَ أَحَدُهُمْ مِلْءَ الْأَرْضِ مَا أَمِنَ لَعِظَمِ الذَّنْبِ فِي نَفْسِهِ. وَقَالَ ابْنُ عَوْنٍ: لَا تَثِقْ بِكَثْرَةِ الْعَمَلِ، فَإِنَّكَ لَا تَدْرِي أَيُقْبَلُ مِنْكَ أَمْ لَا، وَلَا تَأْمَنْ ذُنُوبَكَ، فَإِنَّكَ لَا تَدْرِي كُفِّرَتْ عَنْكَ أَمْ لَا، إِنَّ عَمَلَكَ مَغِيبٌ عَنْكَ كُلَّهُ. وَالْأَظْهَرُ - وَاللَّهُ أَعْلَمُ - فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ - أَعْنِي مَسْأَلَةَ تَكْفِيرِ الْكَبَائِرِ بِالْأَعْمَالِ - أَنَّهُ أُرِيدَ أَنَّ الْكَبَائِرَ تُمْحَى بِمُجَرَّدِ الْإِتْيَانِ بِالْفَرَائِضِ، وَتَقَعُ الْكَبَائِرُ مُكَفَّرَةً بِذَلِكَ كَمَا تُكَفَّرُ الصَّغَائِرُ بِاجْتِنَابِ الْكَبَائِرِ، فَهَذَا بَاطِلٌ. وَإِنْ أُرِيدَ أَنَّهُ قَدْ يُوَازِنُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بَيْنَ الْكَبَائِرِ وَبَيْنَ بَعْضِ الْأَعْمَالِ، فَتُمْحَى الْكَبِيرَةُ بِمَا يُقَابِلُهَا مِنَ الْعَمَلِ، وَيَسْقُطُ الْعَمَلُ، فَلَا يَبْقَى لَهُ ثَوَابٌ، فَهَذَا قَدْ يَقَعُ.
وَقَدْ تَقَدَّمَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ لَمَّا أَعْتَقَ مَمْلُوكَهُ الَّذِي ضَرَبَهُ قَالَ: لَيْسَ لِي فِيهِ مِنَ الْأَجْرِ شَيْءٌ، حَيْثُ كَانَ كَفَّارَةً لِذَنْبِهِ، وَلَمْ يَكُنْ ذَنْبُهُ مِنَ الْكَبَائِرِ، فَكَيْفَ بِمَا كَانَ مِنَ الْأَعْمَالِ مُكَفِّرًا لِلْكَبَائِرِ؟ وَسَبَقَ أَيْضًا قَوْلُ مَنْ قَالَ مِنَ السَّلَفِ: إِنَّ السَّيِّئَةَ تُمْحَى وَيُسْقَطُ نَظِيرَهَا حَسَنَةٌ مِنَ الْحَسَنَاتِ الَّتِي هِيَ ثَوَابُ الْعَمَلِ، فَإِذَا كَانَ هَذَا فِي الصَّغَائِرِ، فَكَيْفَ بِالْكَبَائِرِ؟ فَإِنَّ بَعْضَ الْكَبَائِرِ قَدْ يُحْبِطُ بَعْضَ الْأَعْمَالِ الْمُنَافِيَةِ لَهَا، كَمَا يُبْطِلُ الْمَنُّ وَالْأَذَى الصَّدَقَةَ، وَتُبْطِلُ الْمُعَامَلَةُ بِالرِّبَا الْجِهَادَ كَمَا قَالَتْ عَائِشَةُ. وَقَالَ