وَلَوْ عَلِمَ الضَّيْفُ أَنَّهُمْ لَا يُضِيفُونَهُ إِلَّا بِقُوَّتِهِمْ وَقُوتِ صِبْيَانِهِمْ، وَأَنَّ الصِّبْيَةَ يَتَأَذَّوْنَ بِذَلِكَ، لَمْ يَجُزْ لَهُ اسْتِضَافَتُهُمْ حِينَئِذٍ عَمَلًا بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يُقِيمَ عِنْدَهُ حَتَّى يُخْرِجَهُ» .
وَأَيْضًا فَالضِّيَافَةُ نَفَقَةٌ وَاجِبَةٌ، فَلَا تَجِبُ إِلَّا عَلَى مَنْ عِنْدَهُ فَضْلٌ، عَنْ قُوتِهِ وَقُوتِ عِيَالِهِ، كَنَفَقِهِ الْأَقَارِبِ، وَزَكَاةِ الْفِطْرِ. وَقَدْ أَنْكَرَ الْخَطَّابِيُّ تَفْسِيرَ تَأْثِيمِهِ بِأَنْ يُقِيمَ عِنْدَهُ وَلَا شَيْءَ لَهُ يَقْرِيهِ، وَقَالَ: أَرَاهُ غَلَطًا، وَكَيْفَ يَأْثَمُ فِي ذَلِكَ وَهُوَ لَا يَتَّسِعُ لِقِرَاهُ، وَلَا يَجِدُ سَبِيلًا إِلَيْهِ؟ وَإِنَّمَا الْكُلْفَةُ عَلَى قَدْرِ الطَّاقَةِ، قَالَ: وَإِنَّمَا وَجْهُ الْحَدِيثِ أَنَّهُ كَرِهَ لَهُ الْمُقَامَ عِنْدَهُ بَعْدَ ثَلَاثٍ لِئَلَّا يَضِيقَ صَدْرُهُ بِمَكَانِهِ، فَتَكُونُ الصَّدَقَةُ مِنْهُ عَلَى وَجْهِ الْمَنِّ وَالْأَذَى فَيَبْطُلُ أَجْرَهُ، وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ فِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّهُ قَدْ صَحَّ تَفْسِيرُهُ فِي الْحَدِيثِ بِمَا أَنْكَرَهُ، وَإِنَّمَا وَجْهُهُ أَنَّهُ أَقَامَ عِنْدَهُ وَلَاشَيْءَ لَهُ يَقْرِيهِ بِهِ، فَرُبَّمَا دَعَاهُ ضِيقُ صَدْرِهِ بِهِ، وَحَرَّجَهُ إِلَى مَا يَأْثَمُ بِهِ فِي قَوْلٍ، أَوْ فِعْلٍ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ يَأْثَمُ بِتَرْكِ قِرَاهُ مَعَ عَجْزِهِ عَنْهُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.