وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَثْوِيَ عِنْدَهُ حَتَّى يُخْرِجَهُ» يَعْنِي يُقِيمَ عِنْدَهُ حَتَّى يُضَيِّقَ عَلَيْهِ، لَكِنْ هَلْ هَذَا فِي الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ أَمْ فِيمَا زَادَ عَلَيْهَا؟ فَأَمَّا فِيمَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ، فَلَا شَكَّ فِي تَحْرِيمِهِ، وَأَمَّا فِي مَا هُوَ وَاجِبٌ وَهُوَ الْيَوْمُ وَاللَّيْلَةُ فَيَنْبَنِى عَلَى أَنَّهُ هَلْ تَجِبُ الضِّيَافَةُ عَلَى مَنْ لَا يَجِدُ شَيْئًا أَمْ لَا تَجِبُ إِلَّا عَلَى مَنْ وَجَدَ مَا يُضِيفُ بِهِ؟ فَإِنْ قِيلَ: إِنَّهَا لَا تَجِبُ إِلَّا عَلَى مَنْ يَجِدُ مَا يُضِيفُ بِهِ - وَهُوَ قَوْلُ طَائِفَةٍ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ، مِنْهُمْ حُمَيْدُ بْنُ زَنْجَوَيْهِ - لَمْ يَحِلَّ لِلضَّيْفِ أَنْ يَسْتَضِيفَ مَنْ هُوَ عَاجِزٌ عَنْ ضِيَافَتِهِ. وَقَدْ رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ سَلْمَانَ قَالَ: «نَهَانَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نَتَكَلَّفَ لِلضَّيْفِ مَا لَيْسَ عِنْدَنَا» فَإِذَا نُهِيَ الْمُضِيفُ أَنْ يَتَكَلَّفَ لِلضَّيْفِ مَا لَيْسَ عِنْدَهُ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ الْمُوَاسَاةُ لِلضَّيْفِ إِلَّا بِمَا عِنْدَهُ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ فَضْلٌ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ، وَأَمَّا إِذَا آثَرَ عَلَى نَفْسِهِ، كَمَا فَعَلَ الْأَنْصَارِيُّ الَّذِي نَزَلَ فِيهِ: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} [الحشر: 9] [الْحَشْرِ: 9] فَذَلِكَ مَقَامُ فَضْلٍ وَإِحْسَانٍ، وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ.