وَسُئِلَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَمَّنْ يَطْبُخُ قَدْرًا وَهُوَ فِي دَارِ السَّبِيلِ، وَمَعَهُ فِي الدَّارِ نَحْوُ ثَلَاثِينَ أَوْ أَرْبَعِينَ نَفْسًا: يَعْنِي أَنَّهُمْ سُكَّانٌ مَعَهُ فِي الدَّارِ، فَقَالَ: يَبْدَأُ بِنَفْسِهِ، وَبِمَنْ يَعُولُ، فَإِنْ فَضَلَ فَضْلٌ، أُعْطِيَ الْأَقْرَبُ إِلَيْهِ، وَكَيْفَ يُمْكِنُهُ أَنْ يُعْطِيَهُمْ كُلَّهُمْ؟ قِيلَ لَهُ: لَعَلَّ الَّذِي هُوَ جَارُهُ يَتَهَاوَنُ بِذَلِكَ الْقَدْرِ لَيْسَ لَهُ عِنْدَهُ مَوْقِعٌ؟ فَرَأَى أَنَّهُ لَا يُبْعَثُ إِلَيْهِ.
وَأَمَّا الصَّاحِبُ بِالْجَنْبِ، فَفَسَّرَهُ طَائِفَةٌ بِالزَّوْجَةِ، وَفَسَّرَهُ طَائِفَةٌ مِنْهُمُ ابْنُ عَبَّاسٍ بِالرَّفِيقِ فِي السَّفَرِ، وَلَمْ يُرِيدُوا إِخْرَاجَ الصَّاحِبِ الْمُلَازِمِ فِي الْحَضَرِ وَإِنَّمَا أَرَادُوا أَنَّ صُحْبَةَ السَّفَرِ تَكْفِي، فَالصُّحْبَةُ الدَّائِمَةُ فِي الْحَضَرِ أَوْلَى، وَلِهَذَا قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: هُوَ الرَّفِيقُ الصَّالِحُ، وَقَالَ زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ: هُوَ جَلِيسُكَ فِي الْحَضَرِ، وَرَفِيقُكَ فِي السَّفَرِ، وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ: هُوَ الرَّجُلُ يَعْتَرِيكَ وَيَلُمُّ بِكَ لِتَنْفَعَهُ.
وَفِي " الْمُسْنَدِ " وَالتِّرْمِذِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «خَيْرُ الْأَصْحَابِ عِنْدَ اللَّهِ خَيْرُهُمْ لِصَاحِبِهِ، وَخَيْرُ الْجِيرَانِ عِنْدَ اللَّهِ خَيْرُهُمْ لِجَارِهِ» .
الرَّابِعُ: مَنْ هُوَ وَارِدٌ عَلَى الْإِنْسَانِ، غَيْرَ مُقِيمٍ عِنْدَهُ، وَهُوَ ابْنُ السَّبِيلِ، يَعْنِي الْمُسَافِرَ إِذَا وَرَدَ إِلَى بَلَدٍ آخَرَ، وَفَسَّرَهُ بَعْضُهُمْ بِالضَّيْفِ: يَعْنِي بِهِ ابْنَ السَّبِيلِ إِذَا نَزَلَ ضَيْفًا عَلَى أَحَدٍ.
وَالْخَامِسُ: مِلْكُ الْيَمِينِ، وَقَدْ وَصَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهِمْ كَثِيرًا وَأَمَرَ بِالْإِحْسَانِ