عِنْدَ الْمَعْصِيَةِ فَيُمْسِكَ عَنْهَا. وَقَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ: لَأَنْ أَرُدَّ دِرْهَمًا مِنْ شُبْهَةٍ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَتَصَدَّقَ بِمِائَةِ أَلْفٍ وَمِائَةِ أَلْفٍ، حَتَّى بَلَغَ سِتَّمِائَةِ أَلْفٍ. وَقَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ: لَيْسَتِ التَّقْوَى قِيَامَ اللَّيْلِ، وَصِيَامَ النَّهَارِ، وَالتَّخْلِيطَ فِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ، وَلَكِنَّ التَّقْوَى أَدَاءُ مَا افْتَرَضَ اللَّهُ، وَتَرْكُ مَا حَرَّمَ اللَّهُ، فَإِنْ كَانَ مَعَ ذَلِكَ عَمَلٌ، فَهُوَ خَيْرٌ إِلَى خَيْرٍ، أَوْ كَمَا قَالَ. وَقَالَ أَيْضًا: وَدِدْتُ أَنِّي لَا أُصَلِّي غَيْرَ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ سِوَى الْوَتْرِ، وَأَنْ أُؤَدِّيَ الزَّكَاةَ، وَلَا أَتَصَدَّقَ بَعْدَهَا بِدِرْهَمٍ، وَأَنْ أَصُومَ رَمَضَانَ وَلَا أَصُومَ بَعْدَهُ يَوْمًا أَبَدًا، وَأَنْ أَحُجَّ حَجَّةَ الْإِسْلَامِ ثُمَّ لَا أَحُجَّ بَعْدَهَا أَبَدًا، ثُمَّ أَعْمِدُ إِلَى فَضْلِ قُوتِي، فَأَجْعَلُهُ فِيمَا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيَّ، فَأَمْسِكُ عَنْهُ. وَحَاصِلُ كَلَامِهِمْ يَدُلُّ عَلَى اجْتِنَابِ الْمُحَرَّمَاتِ - وَإِنْ قُلْتُ - أَفْضَلُ مِنَ الْإِكْثَارِ مِنْ نَوَافِلِ الطَّاعَاتِ فَإِنَّ ذَلِكَ فَرْضٌ، وَهَذَا نَفْلٌ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنَ الْمُتَأَخِّرِينَ: إِنَّمَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَاجْتَنِبُوهُ، وَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ، فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ،» لِأَنَّ امْتِثَالَ الْأَمْرِ لَا يَحْصُلُ إِلَّا بِعَمَلٍ، وَالْعَمَلُ يَتَوَقَّفُ وَجُودُهُ عَلَى شُرُوطٍ وَأَسْبَابٍ، وَبَعْضُهَا قَدْ لَا يُسْتَطَاعُ، فَلِذَلِكَ قَيَّدَهُ بِالِاسْتِطَاعَةِ، كَمَا قَيَّدَ اللَّهُ الْأَمْرَ بِالتَّقْوَى بِالِاسْتِطَاعَةِ، قَالَ تَعَالَى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن: 16] (التَّغَابُنِ: 16) وَقَالَ فِي الْحَجِّ: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} [آل عمران: 97] (آلِ عِمْرَانَ: 97) . وَأَمَّا النَّهْيُ: فَالْمَطْلُوبُ عَدَمُهُ، وَذَلِكَ هُوَ الْأَصْلُ، فَالْمَقْصُودُ اسْتِمْرَارُ الْعَدَمِ الْأَصْلِيِّ، وَذَلِكَ مُمْكِنٌ، وَلَيْسَ فِيهِ مَا لَا يُسْتَطَاعُ، وَهَذَا فِيهِ أَيْضًا نَظَرٌ، فَإِنَّ الدَّاعِيَ إِلَى فِعْلِ الْمَعَاصِي قَدْ يَكُونُ قَوِيًّا، لَا صَبْرَ مَعَهُ لِلْعَبْدِ عَلَى الِامْتِنَاعِ مَعَ فِعْلِ الْمَعْصِيَةِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهَا، فَيَحْتَاجُ الْكَفُّ عَنْهَا حِينَئِذٍ إِلَى مُجَاهَدَةٍ شَدِيدَةٍ،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015