وَاعْلَمْ أَنَّ كَثْرَةَ وُقُوعِ الْحَوَادِثِ الَّتِي لَا أَصْلَ لَهَا فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ تَرْكِ الِاشْتِغَالِ بِامْتِثَالِ أَوَامِرِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَاجْتِنَابِ نَوَاهِي اللَّهِ وَرَسُولِهِ، فَلَوْ أَنَّ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَعْمَلَ عَمَلًا سَأَلَ عَمَّا شَرَعَ اللَّهُ فِي ذَلِكَ الْعَمَلِ فَامْتَثَلَهُ، وَعَمَّا نَهَى عَنْهُ فِيهِ فَاجْتَنَبَهُ، وَقَعَتِ الْحَوَادِثُ مُقَيَّدَةً بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَإِنَّمَا يَعْمَلُ الْعَامِلُ بِمُقْتَضَى رَأْيِهِ وَهَوَاهُ، فَتَقَعُ الْحَوَادِثُ عَامَّتُهَا مُخَالِفَةً لِمَا شَرَعَهُ اللَّهُ وَرُبَّمَا عَسُرَ رَدُّهَا إِلَى الْأَحْكَامِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ لِبُعْدِهَا عَنْهَا. وَفِي الْجُمْلَةِ فَمَنِ امْتَثَلَ مَا أَمَرَ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ، وَانْتَهَى عَمَّا نَهَى عَنْهُ، وَكَانَ مُشْتَغِلًا بِذَلِكَ عَنْ غَيْرِهِ، حَصَلَ لَهُ النَّجَاةُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَمَنْ خَالَفَ ذَلِكَ، وَاشْتَغَلَ بِخَوَاطِرِهِ وَمَا يَسْتَحْسِنُهُ، وَقَعَ فِيمَا حَذَّرَ مِنْهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ حَالِ أَهْلِ الْكِتَابِ الَّذِينَ هَلَكُوا بِكَثْرَةِ مَسَائِلِهِمْ وَاخْتِلَافِهِمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ، وَعَدَمِ انْقِيَادِهِمْ وَطَاعَتِهِمْ لِرُسُلِهِمْ. وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " «إِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ، فَاجْتَنِبُوهُ، وَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ، فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ» " قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: هَذَا يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ النَّهْيَ أَشَدُّ مِنَ الْأَمْرِ، لِأَنَّ النَّهْيَ لَمْ يُرَخَّصْ فِي ارْتِكَابِ شَيْءٍ مِنْهُ، وَالْأَمْرُ قُيِّدَ بِحَسَبِ الِاسْتِطَاعَةِ، وَرُوِيَ هَذَا عَنِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ. وَيُشْبِهُ هَذَا قَوْلُ بَعْضِهِمْ: أَعْمَالُ الْبِرِّ يَعْمَلُهَا الْبَرُّ وَالْفَاجِرُ، وَأَمَّا الْمَعَاصِي، فَلَا يَتْرُكُهَا إِلَّا صِدِّيقٌ. وَرُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ: «اتَّقِ الْمَحَارِمَ، تَكُنْ أَعْبَدَ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015