وَقَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ: تَمَامُ التَّقْوَى أَنْ يَتَّقِيَ اللَّهَ الْعَبْدُ، حَتَّى يَتَّقِيَهُ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ، وَحَتَّى يَتْرُكَ بَعْضَ مَا يَرَى أَنَّهُ حَلَالٌ، خَشْيَةَ أَنْ يَكُونَ حَرَامًا، حِجَابًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْحَرَامِ. وَقَالَ الْحَسَنُ: مَازَالَتِ التَّقْوَى بِالْمُتَّقِينَ حَتَّى تَرَكُوا كَثِيرًا مِنَ الْحَلَالِ مَخَافَةَ الْحَرَامِ. وَقَالَ الثَّوْرِيُّ: إِنَّمَا سُمُّوا الْمُتَّقِينَ لِأَنَّهُمُ اتَّقَوْا مَالَا يُتَّقَى وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: إِنِّي لَأُحِبُّ أَنْ أَدَعَ بَيْنِي وَبَيْنَ الْحَرَامِ سُتْرَةً مِنَ الْحَلَالِ لَا أَخْرِقُهَا. وَقَالَ مَيْمُونُ بْنُ مِهْرَانَ: لَا يَسْلَمُ لِلرَّجُلِ الْحَلَالُ حَتَّى يَجْعَلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْحَرَامِ حَاجِزًا مِنَ الْحَلَالِ. وَقَالَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ: لَا يُصِيبُ عَبْدٌ حَقِيقَةَ الْإِيمَانِ حَتَّى يَجْعَلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْحَرَامِ حَاجِزًا مِنَ الْحَلَالِ، وَحَتَّى يَدَعَ الْإِثْمَ وَمَا تَشَابَهَ مِنْهُ.
وَيَسْتَدِلُّ بِهَذَا الْحَدِيثِ مَنْ يَذْهَبُ إِلَى سَدِّ الذَّرَائِعِ إِلَى الْمُحَرَّمَاتِ وَتَحْرِيمِ الْوَسَائِلِ إِلَيْهَا، وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا مِنْ قَوَاعِدِ الشَّرِيعَةِ تَحْرِيمُ قَلِيلِ مَا يُسْكِرُ كَثِيرُهُ، وَتَحْرِيمُ الْخَلْوَةِ بِالْأَجْنَبِيَّةِ، وَتَحْرِيمُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الصُّبْحِ وَبَعْدَ الْعَصْرِ سَدًّا لِذَرِيعَةِ الصَّلَاةِ عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَعِنْدَ غُرُوبِهَا، وَمَنْعُ الصَّائِمِ مِنَ الْمُبَاشَرَةِ إِذَا كَانَتْ تُحَرِّكُ شَهْوَتَهُ، وَمَنَعَ كَثِيرٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ مُبَاشَرَةَ الْحَائِضِ فِيمَا بَيْنَ سُرَّتِهَا وَرُكْبَتِهَا إِلَّا مِنْ وَرَاءِ حَائِلٍ، كَمَا «كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُ امْرَأَتَهُ إِذَا كَانَتْ حَائِضًا أَنْ تَتَّزِرَ، فَيُبَاشِرُهَا مِنْ فَوْقِ الْإِزَارِ» .