وَمِنْهَا مَا لَيْسَ فِيهِ نَصٌّ صَرِيحٌ، وَإِنَّمَا يُؤْخَذُ مِنْ عُمُومٍ أَوْ مَفْهُومٍ أَوْ قِيَاسٍ، فَتَخْتَلِفُ أَفْهَامُ الْعُلَمَاءِ فِي هَذَا كَثِيرًا. وَمِنْهَا مَا يَكُونُ فِيهِ أَمْرٌ، أَوْ نَهْيٌ، فَتَخْتَلِفُ الْعُلَمَاءُ فِي حَمْلِ الْأَمْرِ عَلَى الْوُجُوبِ أَوِ النَّدْبِ، وَفِي حَمْلِ النَّهْيِ عَلَى التَّحْرِيمِ أَوِ التَّنْزِيهِ، وَأَسْبَابُ الِاخْتِلَافِ أَكْثَرُ مِمَّا ذَكَرْنَا. وَمَعَ هَذَا فَلَابُدَّ فِي الْأُمَّةِ مِنْ عَالِمٍ يُوَافِقُ الْحَقَّ، فَيَكُونُ هُوَ الْعَالِمَ بِهَذَا الْحُكْمِ، وَغَيْرُهُ يَكُونُ الْأَمْرُ مُشْتَبِهًا عَلَيْهِ وَلَا يَكُونُ عَالِمًا بِهَذَا، فَإِنَّ هَذِهِ الْأُمَّةَ لَا تَجْتَمِعُ عَلَى ضَلَالَةٍ، وَلَا يَظْهَرُ أَهْلُ بَاطِلِهَا عَلَى أَهْلِ حَقِّهَا، فَلَا يَكُونُ الْحَقُّ مَهْجُورًا غَيْرَ مَعْمُولٍ بِهِ فِي جَمِيعِ الْأَمْصَارِ وَالْأَعْصَارِ، وَلِهَذَا «قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمُشْتَبِهَاتِ: لَا يَعْلَمُهُنَّ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ» فَدَلَّ عَلَى أَنَّ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْلَمُهَا، وَإِنَّمَا هِيَ مُشْتَبِهَةٌ عَلَى مَنْ لَمْ يَعْلَمْهَا، وَلَيْسَتْ مُشْتَبِهَةً فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، فَهَذَا هُوَ السَّبَبُ الْمُقْتَضِي لِاشْتِبَاهِ بَعْضِ الْأَشْيَاءِ عَلَى كَثِيرٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ. وَقَدْ يَقَعُ الِاشْتِبَاهُ فِي الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْعُلَمَاءِ وَغَيْرِهِمْ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ، وَهُوَ أَنَّ مِنَ الْأَشْيَاءِ مَا يُعْلَمُ سَبَبُ حِلِّهِ وَهُوَ الْمِلْكُ الْمُتَيَقَّنُ وَمِنْهَا مَا يُعْلَمُ سَبَبُ تَحْرِيمِهِ وَهُوَ ثُبُوتُ مِلْكِ الْغَيْرِ عَلَيْهِ، فَالْأَوَّلُ لَا تَزُولُ إِبَاحَتُهُ إِلَّا بِيَقِينِ زَوَالِ الْمِلْكِ عَنْهُ، اللَّهُمَّ إِلَّا فِي الْأَبْضَاعِ عِنْدَ مَنْ يُوقِعُ الطَّلَاقَ بِالشَّكِّ فِيهِ كَمَالِكٍ، أَوْ إِذَا غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ وُقُوعُهُ كَإِسْحَاقَ بْنِ رَاهَوَيْهِ وَالثَّانِي: لَا يَزُولُ تَحْرِيمُهُ إِلَّا بِيَقِينِ الْعِلْمِ بِانْتِقَالِ الْمِلْكِ فِيهِ. وَأَمَّا مَا لَا يُعْلَمُ لَهُ أَصْلُ مِلْكٍ كَمَا يَجِدُهُ الْإِنْسَانُ فِي بَيْتِهِ وَلَا يَدْرِي: هَلْ هُوَ لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ فَهَذَا مُشْتَبِهٌ، وَلَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ تَنَاوُلُهُ، لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ مَا فِي بَيْتِهِ مِلْكُهُ لِثُبُوتِ يَدِهِ عَلَيْهِ، وَالْوَرَعُ اجْتِنَابُهُ، فَقَدْ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّى لَأَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِي فَأَجِدُ التَّمْرَةَ سَاقِطَةً عَلَى فِرَاشِي فَأَرْفَعُهَا لِآكُلَهَا، ثُمَّ أَخْشَى أَنْ تَكُونَ مِنَ الصَّدَقَةِ فَأُلْقِيهَا»

طور بواسطة نورين ميديا © 2015