وَلَمَّا شَكَّ النَّاسُ فِي مَوْتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ عَمُّهُ الْعَبَّاسُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: وَاللَّهِ مَا مَاتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى تَرَكَ السَّبِيلَ نَهْجًا وَاضِحًا، وَأَحَلَّ الْحَلَالَ وَحَرَّمَ الْحَرَامَ، وَنَكَحَ وَطَلَّقَ، وَحَارَبَ وَسَالَمَ، وَمَا كَانَ رَاعِي غَنَمٍ يُتْبِعُ بِهَا رُؤُوسَ الْجِبَالِ يَخْبِطُ عَلَيْهَا الْعِضَاهَ بِمِخْبَطِهِ، وَيَمْدُرُ حَوْضَهَا بِيَدِهِ بِأَنْصَبَ وَلَا أَدْأَبَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ فِيكُمْ.

وَفِي الْجُمْلَةِ فَمَا تَرَكَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ حَلَالًا إِلَّا مُبَيَّنًا وَلَا حَرَامًا إِلَّا مُبَيَّنًا، لَكِنَّ بَعْضَهُ كَانَ أَظْهَرَ بَيَانًا مِنْ بَعْضٍ، فَمَا ظَهَرَ بَيَانُهُ وَاشْتَهَرَ وَعُلِمَ مِنَ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ مِنْ ذَلِكَ لَمْ يَبْقَ فِيهِ شَكٌّ، وَلَا يُعْذَرُ أَحَدٌ بِجَهْلِهِ فِي بَلَدٍ يَظْهَرُ فِيهِ الْإِسْلَامُ، وَمَا كَانَ بَيَانُهُ دُونَ ذَلِكَ، فَمِنْهُ مَا اشْتُهِرَ بَيْنَ حَمَلَةِ الشَّرِيعَةِ خَاصَّةً، فَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى حِلِّهِ أَوْ حُرْمَتِهِ، وَقَدْ يَخْفَى عَلَى بَعْضِ مَنْ لَيْسَ مِنْهُمْ، وَمِنْهُ مَا لَمْ يَشْتَهِرْ بَيْنَ حَمَلَةِ الشَّرِيعَةِ أَيْضًا، فَاخْتَلَفُوا فِي تَحْلِيلِهِ وَتَحْرِيمِهِ وَذَلِكَ لِأَسْبَابٍ: مِنْهَا أَنَّهُ قَدْ يَكُونُ النَّصُّ عَلَيْهِ خَفِيًّا لَمْ يَنْقُلْهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنَ النَّاسِ، فَلَمْ يَبْلُغْ جَمِيعَ حَمَلَةِ الْعِلْمِ. وَمِنْهَا أَنَّهُ قَدْ يَنْقُلُ فِيهِ نَصَّانِ، أَحَدُهُمَا بِالتَّحْلِيلِ، وَالْآخَرُ بِالتَّحْرِيمِ، فَيَبْلُغُ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ أَحَدَ النَّصَّيْنِ دُونَ الْآخَرِ، فَيَتَمَسَّكُونَ بِمَا بَلَغَهُمْ، أَوْ يَبْلُغُ النَّصَّانِ مَعًا مَنْ لَمْ يَبْلُغْهُ التَّارِيخُ، فَيَقِفُ لِعَدَمِ مَعْرِفَتِهِ بِالنَّاسِخِ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015