وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ، فَوَهِمَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ وَغَيْرِهِمْ، كَمَا وَهِمَ ابْنُ حَزْمٍ، فَحَكَوْا عَنْ بَعْضِ مَنْ سَمَّيْنَا أَنَّ الطَّلَاقَ فِي الْحَيْضِ لَا يَقَعُ، وَهَذَا سَبَبُ وَهْمِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَهَذَا الْحَدِيثُ إِنَّمَا رَوَاهُ الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ لَمَّا سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ لَهُ ثَلَاثَةُ مَسَاكِنَ، فَأَوْصَى بِثُلُثِ ثَلَاثِ مَسَاكِنَ هَلْ تُجْمَعُ لَهُ فِي مَسْكَنٍ وَاحِدٍ؟ فَقَالَ: تُجْمَعُ لَهُ فِي مَسْكَنٍ وَاحِدٍ، حَدَّثَتْنِي عَائِشَةُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ» خَرَّجَهُ مُسْلِمٌ. وَمُرَادُهُ أَنَّ تَغْيِيرَ وَصِيَّةِ الْمُوصِي إِلَى مَا هُوَ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ وَأَنْفَعُ جَائِزٌ، وَقَدْ حُكِيَ هَذَا عَنْ عَطَاءٍ وَابْنِ جُرَيْجٍ، وَرُبَّمَا يَسْتَدِلُّ بَعْضُ مَنْ ذَهَبَ إِلَى هَذَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفًا أَوْ إِثْمًا فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ} [البقرة: 182] وَلَعَلَّهُ أَخَذَ هَذَا مِنْ جَمْعِ الْعِتْقِ، فَإِنَّهُ صَحَّ " «أَنَّ رَجُلًا أَعْتَقَ سِتَّةَ مَمْلُوكِينَ لَهُ عِنْدَ مَوْتِهِ، فَدَعَاهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَزَّأَهُمْ ثَلَاثَةَ أَجْزَاءٍ، فَأَعْتَقَ اثْنَيْنِ وَأَرَقَّ أَرْبَعَةً» " خَرَّجَهُ مُسْلِمٌ. وَذَهَبَ فُقَهَاءُ الْحَدِيثِ إِلَى هَذَا الْحَدِيثِ؛ لِأَنَّ تَكْمِيلَ عِتْقِ الْعَبْدِ مَهْمَا أَمْكَنَ أَوْلَى مِنْ تَشْقِيصِهِ، وَلِهَذَا شُرِعَتِ السَّرَايَةُ وَالسِّعَايَةُ إِذَا أَعْتَقَ أَحَدَ الشَّرِيكَيْنِ نَصِيبَهُ مِنْ عَبْدٍ. «وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَنْ أَعْتَقَ بَعْضَ عَبْدٍ لَهُ: هُوَ عَتِيقٌ كُلُّهُ لَيْسَ لِلَّهِ شَرِيكٌ» . وَأَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ عَلَى خِلَافِ قَوْلِ الْقَاسِمِ هَذَا، وَأَنَّ وَصِيَّةَ الْمُوصِي لَا تُجْمَعُ، وَيُتْبَعُ لَفْظُهُ إِلَّا فِي الْعِتْقِ خَاصَّةً، لِأَنَّ الْمَعْنَى الَّذِي جَمَعَ لَهُ فِي الْعِتْقِ غَيْرُ مَوْجُودٍ فِي بَقِيَّةِ الْأَمْوَالِ، فَيَعْمَلُ فِيهَا بِمُقْتَضَى وَصِيَّةِ الْمُوصِي.