وَدُخُولِهِ عَلَى أَحَدِ التَّأْوِيلَيْنِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى} [النساء: 43] (النِّسَاءِ: 43) أَنَّ الْمُرَادَ مَوَاضِعُ الصَّلَاةِ، فَصَارَ كَالْحَائِضِ، وَلَا يُبْطِلُ الِاعْتِكَافَ بِغَيْرِهِ مِنِ ارْتِكَابِهِ الْكَبَائِرَ عِنْدَنَا وَعِنْدَ كَثِيرٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ، وَإِنْ خَالَفَ فِي ذَلِكَ طَائِفَةٌ مِنَ السَّلَفِ، مِنْهُمْ عَطَاءٌ وَالزُّهْرِيُّ وَالثَّوْرِيُّ وَمَالِكٌ، وَحُكِيَ عَنْ غَيْرِهِمْ أَيْضًا. وَأَمَّا الْمُعَامَلَاتُ كَالْعُقُودِ وَالْفُسُوخِ وَنَحْوِهِمَا، فَمَا كَانَ مِنْهَا تَغَيُّرًا لِلْأَوْضَاعِ الشَّرْعِيَّةِ، كَجَعْلِ حَدِّ الزِّنَا عُقُوبَةً مَالِيَّةً، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ مَرْدُودٌ مِنْ أَصْلِهِ، لَا يَنْتَقِلُ بِهِ الْمِلْكُ، لِأَنَّ هَذَا غَيْرُ مَعْهُودٍ فِي أَحْكَامِ الْإِسْلَامِ، وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ «النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِلَّذِي سَأَلَهُ: إِنَّ ابْنِي كَانَ عَسِيفًا عَلَى فُلَانٍ، فَزَنَى بِامْرَأَتِهِ، فَافْتَدَيْتُ مِنْهُ بِمِائَةِ شَاةٍ وَخَادِمٍ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الْمِائَةُ الشَّاةُ وَالْخَادِمُ رَدٌّ عَلَيْكَ وَعَلَى ابْنِكَ جَلْدُ مِائَةٍ، وَتَغْرِيبُ عَامٍ» .

وَمَا كَانَ مِنْهَا عَقْدًا مَنْهِيًّا عَنْهُ فِي الشَّرْعِ، إِمَّا لِكَوْنِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ لَيْسَ مَحِلًّا لِلْعَقْدِ، أَوْ لِفَوَاتِ شَرْطٍ فِيهِ، أَوْ لِظُلْمٍ يَحْصُلُ بِهِ لِلْمَعْقُودِ مَعَهُ وَعَلَيْهِ، أَوْ لِكَوْنِ الْعَقْدِ يَشْغَلُ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ الْوَاجِبِ عِنْدَ تُضَايُقِ وَقْتِهِ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، فَهَذَا الْعَقْدُ: هَلْ هُوَ مَرْدُودٌ بِالْكُلِّيَّةِ، لَا يَنْتَقِلُ بِهِ الْمِلْكُ، أَمْ لَا؟ هَذَا الْمَوْضِعُ قَدِ اضْطَرَبَ النَّاسُ فِيهِ اضْطِرَابًا كَثِيرًا، وَذَلِكَ أَنَّهُ وَرَدَ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ أَنَّهُ مَرْدُودٌ لَا يُفِيدُ الْمِلْكَ، وَفِي بَعْضِهَا أَنَّهُ يُفِيدُهُ، فَحَصَلَ الِاضْطِرَابُ فِيهِ بِسَبَبِ ذَلِكَ، وَالْأَقْرَبُ - إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى - أَنَّهُ إِنْ كَانَ النَّهْيُ عَنْهُ لَحِقٍّ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لَا يُفِيدُ الْمِلْكَ بِالْكُلِّيَّةِ، وَنَعْنِى أَنَّهُ بِكَوْنِ الْحَقِّ لِلَّهِ: أَنَّهُ لَا يَسْقُطُ بِرِضَا الْمُتَعَاقِدِينَ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ النَّهْيُ عَنْهُ لِحَقِّ آدَمِيٍّ مُعَيَّنٍ بِحَيْثُ يَسْقُطُ بِرِضَاهُ بِهِ، فَإِنَّهُ يَقِفُ عَلَى رِضَاهُ بِهِ، فَإِنْ رَضِيَ لَزِمَ الْعَقْدُ، وَاسْتَمَرَّ الْمِلْكُ، وَإِنْ لَمْ يَرْضَ بِهِ، فَلَهُ الْفَسْخُ، فَإِنْ كَانَ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015