صَلَّى أَبُو يَزِيدَ الظُّهْرَ، فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يُكَبِّرَ، لَمْ يَقْدِرْ إِجْلَالًا لِاسْمِ اللَّهِ، وَارْتَعَدَتْ فَرَائِصُهُ حَتَّى سُمِعَتْ قَعْقَعَةُ عِظَامِهِ. كَانَ أَبُو حَفْصٍ النَّيْسَابُورِيُّ إِذَا ذَكَرَ اللَّهَ تَغَيَّرَتْ عَلَيْهِ حَالُهُ حَتَّى يَرَى جَمِيعَ ذَلِكَ مِنْ عِنْدِهِ، وَكَانَ يَقُولُ: مَا أَظُنُّ مُحِقًّا يَذْكُرُ اللَّهَ عَنْ غَيْرِ غَفْلَةٍ، ثُمَّ يَبْقَى حَيًّا إِلَّا الْأَنْبِيَاءُ، فَإِنَّهُمْ أُيِّدُوا بِقُوَّةِ النُّبُوَّةِ وَخَوَاصِّ الْأَوْلِيَاءِ بِقُوَّةِ وِلَايَتِهِمْ.
إِذَا سَمِعْتُ بِاسْمِ الْحَبِيبِ تَقَعْقَعَتْ ... مَفَاصِلُهَا مِنْ هَوْلِ مَا تَتَذَكَّرُ
وَقَفَ أَبُو زَيْدٍ لَيْلَةً إِلَى الصَّبَاحِ يَجْتَهِدُ أَنْ يَقُولَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، فَمَا قَدَرَ إِجْلَالًا وَهَيْبَةً، فَلَمَّا كَانَ عِنْدَ الصَّبَاحِ نَزَلَ، فَبَالَ الدَّمَ.
وَمَا ذَكَرْتُكُمُ إِلَّا نَسِيتُكُمُ ... نِسْيَانَ إِجْلَالٍ لَا نِسْيَانَ إِهْمَالِ
إِذَا تَذَكَّرْتُ مَنْ أَنْتُمْ وَكَيْفَ أَنَا ... أَجْلَلْتُ مِثْلَكُمْ يَخْطُرُ عَلَى بَالِي
الذِّكْرُ لَذَّةُ قُلُوبِ الْعَارِفِينَ. قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد: 28] [الرَّعْدِ: 28] . قَالَ مَالِكُ بْنُ دِينَارٍ: مَا تَلَذَّذَ الْمُتَلَذِّذُونَ بِمِثْلِ ذِكْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. وَفِي بَعْضِ الْكُتُبِ السَّالِفَةِ: يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: مَعْشَرَ الصِّدِّيقِينَ بِي فَافْرَحُوا، وَبِذِكْرِي فَتَنَعَّمُوا. وَفِي أَثَرٍ آخَرَ سَبَقَ ذِكْرُهُ: وَيُنِيبُونَ إِلَى الذِّكْرِ كَمَا تُنِيبُ النُّسُورُ إِلَى وُكُورِهَا. وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَهْلُ الْكِتَابِ أَنَّ هَذِهِ الْأُمَّةَ تُحِبُّ الذِّكْرِ كَمَا تُحِبُّ الْحَمَامَةُ وَكْرَهَا، وَلَهُمْ أَسْرَعُ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ مِنَ الْإِبِلِ إِلَى وِرْدِهَا يَوْمَ ظَمَئِهَا. قُلُوبُ الْمُحِبِّينَ لَا تَطْمَئِنُّ إِلَّا بِذِكْرِهِ، وَأَرْوَاحُ الْمُشْتَاقِينَ لَا تَسْكُنُ إِلَّا بِرُؤْيَتِهِ،