وَخَرَّجَ الطَّبَرَانِيُّ بِهَذَا الْإِسْنَادِ مَرْفُوعًا: «مَنْ لَمْ يُكْثِرْ ذِكْرَ اللَّهِ فَقَدْ بَرِئَ مِنَ الْإِيمَانِ» . وَيَشْهَدُ لِهَذَا الْمَعْنَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى وَصَفَ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّهُمْ لَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا، فَمَنْ أَكْثَرَ ذِكْرَ اللَّهِ، فَقَدَ بَايَنَهُمْ فِي أَوْصَافِهِمْ، وَلِهَذَا خُتِمَتْ سُورَةُ الْمُنَافِقِينَ بِالْأَمْرِ بِذِكْرِ اللَّهِ، وَأَنْ لَا يُلْهِيَ الْمُؤْمِنَ عَنْ ذَلِكَ مَالٌ وَلَا وَلَدٌ، وَأَنَّ مَنْ أَلْهَاهُ ذَلِكَ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ، فَهُوَ مِنَ الْخَاسِرِينَ. قَالَ الرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ، عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ: عَلَامَةُ حُبِّ اللَّهِ كَثْرَةُ ذِكْرِهِ، فَإِنَّكَ لَنْ تُحِبَّ شَيْئًا إِلَّا أَكْثَرْتَ ذِكْرَهُ. وَقَالَ فَتْحٌ الْمَوْصِلِيُّ: الْمُحِبُّ لِلَّهِ لَا يَغْفُلُ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ طَرْفَةَ عَيْنٍ، قَالَ ذُو النُّونِ: مَنِ اشْتَغَلَ قَلْبُهُ وَلِسَانُهُ بِالذِّكْرِ، قَذَفَ اللَّهُ فِي قَلْبِهِ نُورَ الِاشْتِيَاقِ إِلَيْهِ. قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْجُنَيْدِ: كَانَ يُقَالُ: مِنْ عَلَامَةِ الْمُحِبِّ لِلَّهِ دَوَامُ الذِّكْرِ بِالْقَلْبِ وَاللِّسَانِ، وَقَلَّمَا وَلِعَ الْمَرْءُ بِذِكْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ إِلَّا أَفَادَ مِنْهُ حُبَّ اللَّهِ. وَكَانَ بَعْضُ السَّلَفِ يَقُولُ فِي مُنَاجَاتِهِ: إِذَا سَئِمَ الْبَطَّالُونَ مِنْ بِطَالَتِهِمْ، فَلَنْ يَسْأَمَ مُحِبُّوكَ مِنْ مُنَاجَاتِكَ وَذِكْرِكَ. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ الْمُحَوَّلِيُّ: وَلِيُّ اللَّهِ الْمُحِبُّ لِلَّهِ لَا يَخْلُو قَلْبُهُ مِنْ ذِكْرِ رَبِّهِ، وَلَا يَسْأَمُ مَنْ خِدْمَتِهِ. وَقَدْ ذَكَرْنَا قَوْلَ عَائِشَةَ: «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَذْكُرُ اللَّهَ عَلَى كُلِّ أَحْيَانِهِ» ، وَالْمَعْنَى: فِي حَالِ قِيَامِهِ وَمَشْيِهِ وَقُعُودِهِ وَاضْطِجَاعِهِ، وَسَوَاءٌ كَانَ عَلَى