أَحَدُهَا: الطَّاعَاتُ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ عِبَادَهُ بِهَا، وَجَعَلَهَا سَبَبًا، لِلنَّجَاةِ مِنَ النَّارِ وَدُخُولِ الْجَنَّةِ، فَهَذَا لَابُدَّ مِنْ فِعْلِهِ مَعَ التَّوَكُّلِ عَلَى اللَّهِ فِيهِ، وَالِاسْتِعَانَةِ بِهِ عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِهِ، وَمَا شَاءَ كَانَ وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ، فَمَنْ قَصَّرَ فِي شَيْءٍ مِمَّا وَجَبَ عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ، اسْتَحَقَّ الْعُقُوبَةَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ شَرْعًا وَقَدَرًا. قَالَ يُوسُفُ بْنُ أَسْبَاطٍ: كَانَ يُقَالُ: اعْمَلْ عَمَلَ رَجُلٍ لَا يُنْجِيهِ إِلَّا عَمَلُهُ، وَتَوَكَّلْ تَوَكُّلَ رَجُلٍ لَا يُصِيبُهُ إِلَّا مَا كُتِبَ لَهُ. وَالثَّانِي: مَا أَجْرَى اللَّهُ الْعَادَةَ بِهِ فِي الدُّنْيَا، وَأَمَرَ عِبَادَهُ بِتَعَاطِيهِ، كَالْأَكْلِ عِنْدَ الْجُوعِ، وَالشُّرْبِ عِنْدَ الْعَطَشِ، وَالِاسْتِظْلَالِ مِنَ الْحَرِّ، وَالتَّدَفُّؤِ مِنَ الْبَرْدِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَهَذَا أَيْضًا وَاجِبٌ عَلَى الْمَرْءِ تَعَاطِي أَسْبَابِهِ، وَمَنْ قَصَّرَ فِيهِ حَتَّى تَضَرَّرَ بِتَرْكِهِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى اسْتِعْمَالِهِ، فَهُوَ مُفَرِّطٌ يَسْتَحِقُّ الْعُقُوبَةَ، لَكِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ قَدْ يُقَوِّي بَعْضَ عِبَادِهِ مِنْ ذَلِكَ عَلَى مَا لَا يَقْوَى عَلَيْهِ غَيْرُهُ، فَإِذَا عَمِلَ بِمُقْتَضَى قُوَّتِهِ الَّتِي اخْتُصَّ بِهَا عَنْ غَيْرِهِ فَلَا حَرَجَ عَلَيْهِ، وَلِهَذَا كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُوَاصِلُ فِي صِيَامِهِ وَيَنْهَى عَنْ ذَلِكَ أَصْحَابَهُ وَيَقُولُ لَهُمْ: «إِنِّي لَسْتُ كَهَيْئَتِكُمْ، إِنِّي أُطْعَمُ وَأُسْقَى» ، وَفِي رِوَايَةٍ: «إِنِّي أَظَلُّ عِنْدَ رَبِّي يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِي» ، وَفِي رِوَايَةٍ: «إِنَّ لِي مُطْعِمًا يُطْعِمُنِي، وَسَاقِيًا يَسْقِينِي» . وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ أَرَادَ بِذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ يَقُوتُهُ وَيُغَذِّيهِ بِمَا يُورِدُهُ عَلَى قَلْبِهِ مِنَ الْفُتُوحِ الْقُدْسِيَّةِ، وَالْمِنَحِ الْإِلَهِيَّةِ، وَالْمَعَارِفِ الرَّبَّانِيَّةِ الَّتِي تُغْنِيهِ عَنِ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015