العلماء كما تقدم كانت حقيقتها الاتصال فحيث وردت في المرسل وهي الانقطاع يكون مجازا فيه لأن المجاز خير من الاشتراك وإنما يدعي المجاز فيها عند عدم المعاصرة لتعذر الحقيقة وكذا إذا علم قصد الإرسال إذ المجاز لا يستعمل إلا لقرينة وقد حدث عن اصطلاح متأخر بعد الخمسمائة وهو استعمالها في مكان بالإجازة إذا وقعت في أثناء السند فيقول الراوي فيما سمعه من شيخه بإجازته من الأعلى أخبرنا فلان عن فلان وليس في ذلك ما يقدح في كونها للاتصال لأن الإجازة أحد أنواع التحمل على الصحيح وقد كان الحافظ أبو نعيم أحيانا يطلق فيها أخبرنا ولا يبين أنه إجازة وتبعه عليه طائفة قليلة
والكلام الآن في تلخيص ما استدل به مسلم على الاكتفاء بمجرد إمكان اللقاء في جعل عن للاتصال مع البرءة عن تهمة التدليس
فمما استدل به ما معناه أنا اتفقنا نحن وأنتم على قبول خبر الواحد الثقة عن مثله إذا ضمهما عصر واحد وأنه حجة ثم أدخلت فيه شرطا زائدا وهو ثبوت اللقاء فيلزمك إثبات القول به عمن سلف وحقيقة هذا الدليل دعوى الإجماع في محل الخلاف ويمكن عكسه عليه بأن يقال اتفقنا نحن وأنت على قبول المعنعن من غير المدلس إذا ثبت اللقاء فنقصت أنت من شروط الإجماع ثبوت اللقاء فيتوجه عليك المطالبة بالدليل على إسقاطه واحتج أيضا بأنه يلزم هذا القائل أنه لا يثبت سندا معنعنا حتى يرى فيه السماع من أوله إلى آخره لأن احتمال الإرسال فيه جائز ممكن بل موجود كثيرا فإن سماع هشام بن عروة من أبيه كثير جدا وقد روى عنه أيوب وابن المبارك وجماعة عن أبيه عن عائشة حديث طبيت رسول الله صلى الله عليه وسلم لحله الحديث ورواه الليث وأبو أسامة ووهب وآخرون عن هشام أخبرني عثمان بن عروة عن عروة عنها وكذلك حديثه عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا اعتكف يدني إلي رأسه الحديث رواه جماعة عن هشام بن عروة على الجادة ورواه مالك عن الزهري عن عروة عن عمرة عن عائشة رضي الله عنها وذكر أحاديث أخر بهذه المثابة ثم قال وهذا كثير في الروايات فإذا كانت العلة عند من وصفنا قوله قبل في فساد الحديث