جامع الاصول (صفحة 4422)

4199 - (م د س) سعد بن هشام - رضي الله عنه -: «أراد أن يغزُوَ في سبيل الله، فَقدِم المدينةَ، وأَراد أن يبيعَ عقاراً بها، فيجعلَه في السلاح والكُراع، ويُجاهِدَ الرُّومَ حتى يموتَ، فلما قَدِمَ المدينةَ لَقِيَ أُناساً من أهل المدينة، فنهَوْه عن ذلك، وأخبروه أن رَهْطاً ستَّة أرادوا ذلك في حياةِ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم-، فنهاهم رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم-، وقال: أليس لكم فيَّ أُسوة؟ فلما حدَّثوه بذلك راجع امرأته - وقد كان طلَّقها - وأشهد على رَجْعَتِها فأتى ابنَ عباس، فسأله عن وِتْر رسول الله - صلى الله عليه وسلم-؟ فقال ابنُ عباس: ألا أدُلُّك على من هو أعلم أَهل الأرض بوتر رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم-؟ قال: من؟ قال: عائشة، فائتِها فسَلْها، ثم ائْتِني فأخبرني بردِّها عليك. قال: فانطلقتُ إِليها، فأَتيتُ على حكيمِ بنِ أفْلَحَ، فاسْتَلْحَقْتُه (?) إِليها، فقال: ما أنا بِقارِبِها؛ لأني نهيتُها أن تقولَ في هاتين الشِّيعَتَين شيئاً، فأَبَتْ إِلا مُضيًّا، قال: فأقسمتُ عليه فجاء، فانطلقنا إِلى عائشةَ، فاستأذَنَّا عليها، فأَذِنَت لنا، فدخلنا عليها، فقالتْ: حكيم؟ فَعَرَفَتْه، فقال: نعم، فقالت: مَنْ معك؟ -[98]- قال: سعدُ بنُ هشام، قالت: مَن هشام؟ قال: ابنُ عامر. فترَّحَمتْ عليه، وقالت خيراً - قال قتادة: وكان أُصيبَ يوم أُحُد - فقلت: يا أمَّ المؤمنين، أنبئيني عن خُلُق رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم-، قالت: ألسْتَ تقرأْ القرآنَ؟ قلت: بلى، قالتْ: فإن خُلُقَ نبيِّ الله - صلى الله عليه وسلم- كان القرآنَ، قال: فَهَمَمْتُ أَن أقوم، ولا أسألَ أحداً عن شيء حتى أموتَ، ثم بدا لي، فقلت: أَنبئيني عن قيام رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم-، فقالت: ألسْتَ تقرأ: {يا أيها المزمل} ؟ قلت: بلى، قالت: فإن الله - عز وجل - افترض قيام الليل في أول هذه السورة، فقام نبي الله - صلى الله عليه وسلم- وأصحابه حَوْلاً، وأمسك الله خاتمتها اثني عشر شهراً [في السماء] ، حتى أنزل اللهُ - عز وجل - في آخر هذه السورة التخفيف، فصار قيام الليل تطوعاً بعد فريضة، قال: قلت: يا أم المؤمنين، أنبئيني عن وتر رسول الله - صلى الله عليه وسلم-، فقالت: كنا نُعِدُّ له سِواكَه، وطَهورَهُ، فيبعثْهُ الله متى شاء أن يبعثَهُ من الليل، فيتسوَّكُ ويتوضأُ، ويصلِّي تسع ركعات، لا يجلس فيها إِلا في الثامنة، فيذكُر الله ويحمَدُهُ [وَيَدْعوه، ثم ينهضُ ولا يسلِّم، ثم يقومُ فيصلِّي التاسعةَ، ثم يقعد فيذكر الله ويحمَدُه ويدعوه] ، ثم يسلم تسليماً يسمعنا، ثم يصلِّي ركعتين بعد ما يسلِّمُ وهو قاعد، فتلك إِحدى عَشرَةَ ركعة يا بُنيَّ، فلما أسنَّ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم-، وأخذه اللحمُ، أوتر بسبع، وصنع في الركعتين مثل صنيعه الأول، فتلك تسع -[99]- يا بنيَّ، وكان نبيُّ الله - صلى الله عليه وسلم- إِذا صلى صلاة أحبَّ أن يداوم عليها، وكان إِذا غلبه نوم، أو وَجَع عن قيام الليل صلَّى من النهار ثنتي عَشرَةَ ركعة، ولا أعلم نبيَّ الله - صلى الله عليه وسلم- قرأ القرآن كلَّه في ليلة، ولا صلَّى ليلة إلى الصبح، ولا صام شهرَاً كاملاً غير رمضان، قال: فانطلقتُ إِلى ابنِ عباس فحدَّثْتُه بحديثها، فقال: صَدقَتْ، ولو كنتُ أَقْرَبُها، أو أدخلُ عليها، لأتيتُها حتى تُشافِهَني به، قال: قلت: لو علمتُ أنك لا تدخلُ عليها ما حدَّثْتُكَ حديثها» .

وفي رواية قال: «انطلقتُ إلى عبدِ الله بنِ عباس، فسألتُه عن الوتر؟ - وساق الحديث بقصته - وقال فيه: قالت: مَنْ هشام؟ قلتُ: ابنُ عامر، قالت: نِعْم المرءُ كان عامر (?) ، أصيب يومَ أُحد» .

أخرجه مسلم. وأخرجه أبو داود، وفي ألفاظه تغيير بزيادة ونقصان قليل، ولفظ مسلم أَتم.

وفي أخرى لأبي داود قال: «إن عائشةَ سُئِلتْ عن صلاة رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم- في جوف الليل؟ فقالت: كان يصلِّي صلاةَ العِشاء في جماعة، ثم يرجع إلى أهله فيركع أربع ركعات، ثم يأوي إِلى فراشه ينام، وطَهورُهُ مُغَطّى عند رأْسه، وسِواكُه موضوع، حتى يبعثَهُ الله - عز وجل - ساعتَه التي يبعثُه -[100]- من الليل، فيتسوَّك ويُسبغ الوضوء، ثم يقوم إِلى مصلاه، فيصلي ثمانيَ ركعات، يقرأ فيهن بأُمِّ القرآن وسورة من القرآن، وما شاء الله، ولا يقعدُ في شيء منها حتى يقعد في الثامنة، ولا يسلِّم، ويقرأُ في التاسعة حتى يقعدَ، فيدعو بما شاء الله أن يدعوَ، ويسألُهُ، ويسلِّمُ تسليمة واحدة شديدة، يكاد يوقِظُ أَهلَ البيت من شِدَّةِ تسليمه، ثم يقرأ وهو قاعد بأمِّ الكتاب، ويركع وهو قاعد، ثم يقرأُ في الثانية، فيركع ويسجد وهو قاعد، ثم يدعو بما شاء الله أن يدعوَ، ثم يسلم وينصرف، فلم تزل تلكَ صلاةُ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم- حتى بَدَّنَ، فنقص من التسع ثِنتين، فجعلها إلى الستِّ والسبع والركعتين وهو قاعد، حتى قُبض على ذلك» .

وفي أخرى بهذا الحديث قال: «يُصلِّي العِشاءَ، ثم يأوي إلى فراشه» ، ولم يذكر الأربع ركعات (?) . وقال فيه: «فيصلِّي ثمانيَ ركعات، يسوِّي بينهن بالقراءة والركوع والسجود» ، وقال: «لا يجلس في شيء منهن إِلا في الثامنة، فإنه كان يجلس، ثم يقوم، ولا يُسلِّم، فيصلِّي ركعة يوتر بها، ثم يسلم تسليمة يرفع بها صوته، حتى يوقِظنا ... وساق معناه» .

وفي أخرى، ولم يذكر: «أنه سوَّى بينهن في القراءة والركوع والسجود» ، ولا ذكر في التسليم: «حتى يوقظنا» . -[101]-

وفي أخرى بمعناه ونحوه، وفيه: «كان يُخَيّل إِليّ أَنَّهُ سوّى بينهن في القراءة والركوع والسجود. ثم يوتر بركعة، ثم يصلِّي ركعتين وهو جالس، ثم يضع جَنْبَهُ، فربما جاء بلال فآذَنَهُ بالصلاة: ثم يُغفِي، وربما شككتُ: أَغفَى، أوْلا؟ حتى يُؤْذِنَهُ بالصلاة، فكانت تلك صلاته حتى أسنّ ولَحُمَ، فذكرت من لحمه ما شاء الله ... » وساق الحديث.

وأخرجه النسائي بنحو من رواية مسلم، ولم يذكر في أوله حديث بيع العقار، وجعلِه في السلاح والكُراع، ومراجعةِ زوجته، وأولُ حديثه «أنه لقيَ ابنَ عباس فسأله عن وتر رسولِ الله -صلى الله عليه وسلم-؟» .

وله في أخرى قال: «قدمتُ المدينةَ، فدخلتُ على عائشةَ، قالت: مَنْ أَنت؟ قلت: أَنا سعدُ بنُ هشام بن عامر. قالت: رحم الله أباك، قلت: أخبريني عن صلاة رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم-. قالت: إِن رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم- كان وكان، قلتُ: أجَلْ. قالت: إن رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم- كان يصلِّي بالليلِ صلاةَ العِشاءِ، ثم يأوي إلى فراشه فينام، فإِذا كان جوف الليل قام إلى حاجته وإِلى طَهُورِهِ فتوضأ، ثم دخل المسجد، فيصلي ثماني ركعات، يُخَيَّل إِليّ أنه يُسوِّي بينهن في القراءة والركوع والسجود، ويوتر بركعة، ثم يصلِّي ركعتين وهو جالس، ثم يضع جنبه، فربما جاء بلال فآذَنَهُ بالصلاة قبل أَن يُغْفِيَ، وربما شككتُ: أَغْفَى، أوْ لم يُغْفِ؟ حتى يُؤْذِنَهُ بالصلاة، فكانت تلك صلاة رسولَ الله -[102]- صلى الله عليه وسلم-، حتى أَسَنَّ وَلَحُمَ - فذكرت من لحمه ما شاء الله - قالت: وكان النبيُّ - صلى الله عليه وسلم- يصلِّي بالناس العشاء، ثم يأوي إِلى فراشه، فإِذا كان جوفُ الليل قام إِلي طَهوره وإِلى حاجته، ثم دخل المسجدَ فصلَّى سِتَّ ركعات، يُخَيَّل إِليَّ أَنه يُسَوِّي بينهن في القراءةِ والركوعِ والسجودِ، ثم يوتر بركعة، ثم يصلي ركعتين وهو جالس، ثم يضع جنبه، وربما جاء بلال فآذَنَهُ بالصلاة قبل أن يُغْفِيَ، وربما أُغفيَ، [وربما] شككت: أَغْفى، أم لا؟ حتى يُؤْذِنَهُ بالصلاة. قالت: فما زالت تلك صلاة رَسولِ الله - صلى الله عليه وسلم-» .

وله في أخرى، قالت: «كنا نُعِدُّ لرسولِ الله - صلى الله عليه وسلم- سِواكه وطَهوره، فيبعثُه الله - عز وجل - ما شاء أَن يبعثَهُ من الليل، فيستاك، ويتوضَّأُ، ويُصلِّي تسع ركعات، لا يجلس فيهن إِلا عند الثامنة، ويحمد الله، ويصلِّي على نبيه، ويدعو بينهن، ولا يسلِّم، ثم يصلي التاسعة، ويقعد، يذكر كلمة نحوها، ويحمد الله، ويصلي على نبيه، ويدعو ثم يسلِّم تسليماً يُسمعنا، ثم يصلي ركعتين وهو قاعد - زاد في أخرى: فتلك إِحدى عَشْرَةَ ركعة يا بني - فلما أسَنَّ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم-، وأخذ اللّحْمَ، أوتر بسبع، ثم يصلِّي ركعتين، وهو جالس بعد ما يسلِّم، فتلك تِسْع (?) أَي بُنَيَّ. وكان رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -[103]- إِذا صلى صلاة أحبَّ أن يداوم عليها» .

وله طرف آخر: «أنه سمعها تقول: إنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم- كان يوتر بتسع ركعات، ثم يصلِّي ركعتين وهو جالس، فلما ضعف أوتر بسبع ركعات، ثم صلى ركعتين وهو جالس» .

وله طرف آخرُ: «أنه كان يوتر بتسع، ويركع ركعتين وهو جالس» .

وله طرف آخرُ: «أنه وفَد على أُمِّ المؤمنين عائشةَ، فسألها عن صلاة رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم-؟ فقالت: كان يُصلِّي من الليل ثماني ركعات، ويوتر بالتاسعة، ويصلِّي ركعتين وهو جالس» (?) .

S (الكُرَاع) : أراد بالكراع: الخيل المربوطة في سبيل الله تعالى.

(بقاربِها) : قربت من الشيء أقرُب قُرباً، أي دنوت، وقرِبته - بالكسر - أقرَبه بالفتح قِرباناً فأنا قاربه، أي: دنوت، فالأول قاصر، والثاني متعد.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015