جامع الاصول (صفحة 208)

3 - (خ م د س) أبو هريرة وأبو ذر - رضي الله عنهما -: قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يومًا بازرًا للناس، فأتاه رجل فقال: يا رسول الله، ما الإيمان؟ قال: «أن تُؤمن بالله، وملائكته، وكتابه (?) ، ولقائه، ورُسُلِهِ، وتؤمنَ بالبعث الآخر» قال: يا رسول الله ما الإسلام؟ قال: «الإسلام أن تعبُدَ الله، لا تُشْركُ به شيئًا، وتُقيمَ الصلاةَ المكتوبة، وتؤدي الزّكاة المفروضة، وتصوم رمضان» . قال: يا رسول الله ما الإحسان؟ قال: «أن تعبد الله كأنك تراه، فإنك إن لم تره (?) فإنَّه يراك» . قال: يا رسولَ الله، مَتَى السَّاعَةُ؟ قال: «ما المسؤول عنها بأعلَمَ من السَّائل، ولكن سأُحَدِّثُكَ عَنْ أشْراطها: إذا ولَدت الأمةُ ربَّتها (?) ، فذاك من أشراطها، وإذا كانت العُرَاةُ الحفاةُ رُؤوسَ النَّاسِ، فذاك من أشراطها، وإذا تَطَاوَل رِعَاءُ -[214]- البَهُم في البينان، فذاك من أشراطها، في خَمْسٍ لا يعلَمُهنَّ إلا الله، ثم تلا رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: {إن الله عنده عِلْمُ الساعةِ، ويُنزِّل الغيثَ، ويَعْلَمُ ما في الأرحام} - إلى قوله: {إنَّ الله عليمٌ خبيرٌ} (لقمان: الآية 34) . قال: ثم أدْبَرَ الرجلُ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: رُدُّوا عليّ الرَّجُلَ» ، فأخذُوا لِيَرُدُّوه، فلم يَروْا شيئًا، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «هذا جبريلُ جاء ليُعَلِّم النَّاس دينَهمْ» .

وفي رواية قال: «إذا ولدتِ الأمة بعْلَها» يعني السَّرَارِي.

وفي أخرى نحوُه: وفي أوّلِه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «سَلوني» فهابُوهُ أن يسألوهُ، فجاء رجلٌ، فجلس عند رُكْبَتَيْهِ، فقال: يا رسول الله، ما الإسلام - وذكَرَ نحوَهُ- وزاد: أنّه قال له في آخر كل سؤال منها: صدقت - وقال في الإحسان: «أن تخشى الله كأنك تراه» . وقال فيها: «وإذا رأيتَ الْحُفاةَ الْعُراةَ الصُّمّ الْبُكْم ملوكَ الأرض، فذاك من أشراطها» - وفي آخرها - «هذا جبريل أراد أن تَعَلَّموا، إذ لم تَسألوا» . هذا لفظ البخاري ومسلم عن أبي هريرة وحده.

وأخرجه أبو داود عن أبي هريرة وأبي ذرٍّ، بمثل حديثٍ قَبْلَه، وهو حديث يحيى ابن يَعمَر، وهذا لفظُهُ:

قال أبو هريرة وأبو ذر: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يجلس بين ظَهْرَانَي أصْحابه، فيجيءُ الغريب، فلا يدري: أيُّهم هو حتى يسألَ، فطلبْنا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن نجعلَ له مجلسًا، يعرفُه الغريبُ إذا أتاه، قال: فبَنينا له -[215]- دُكَّانًا من طين يجلس عليه، وكُنا نجلس بجنبَتِهِ - وذكرَ نحو حديث يحيى بن يَعْمَر - فأقبل رجلٌ، وذكرَ هيْأتهُ، حتى سلَّم من طرف السِّماط (?) ، فقال: السلام عليك يا محمدُ، فرَدَّ عليه النبي - صلى الله عليه وسلم -.

وأخرجه النسائي عن أبي هريرة وأبي ذر بمثل حديث أبي داود، إلى قوله: من طين كان يجلس عليه، ثم قال: وإنَّا لجُلوسٌ ورسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -، إذ أقبل رجلٌ أحسنُ الناس وجهًا، وأطيبُ الناس ريحًا، كأن ثيابَه لم يمسَّها دَنَس، حتى سلَّمَ من طرف السِّماط، قال: السلام عليك يا محمَّدُ، فردَّ عليه السلامَ، قال: أدْنُو يا محمَّد؟ قال: «أُدْنهْ» . قال: فما زال يقول: أدنُو مرارًا، ويقول: «أُدْنُهْ» حتى وضع يَدَهُ على ركبَتي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.

قال: يا محمد، أخبرني ما الإسلام، قال: «الإسلام أن تعبد الله لا تُشركَ به شيئًا، وتُقيمَ الصلاةَ، وتؤتيَ الزكاةَ، وتحجَّ البيتَ، وتصومَ رمضان» . قال: وإذا فعلتُ ذلك، فقد أسلمتُ؟ قال: «نَعَمْ» . قال: صدقتَ، فلما سَمِعْنَا قَولَ الرَّجُل: صَدَقْتَ، أنكَرْنَاهُ. قال: يا محمّدُ، أخبِرني عن الإيمان؟ قال: «أن تؤمن بالله (?) والملائكة، والكتاب، والنبيين، وتؤمن بالقدَرِ» قال: «فإذا فعلت ذلك، فقد آمنتُ؟» قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «نَعم» قال: صدقت، قال: يا محمَّدُ، أخبرني: ما الإحسان؟ قال: «أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه -[216]- يراك» . [قال: صدقت] (?) ، قال: يا محمَّدُ، أخبرني: متى الساعةُ؟ قال: فَنكَّس، فلم يجبه شيئًا، ثم عاد، فلم يجبه شيئًا، ثم رفع رأسهُ، قال: «ما المسؤول عنها بأعلمَ من السائل، ولكن لها علاماتٌ تُعرَفُ بها: إذا رأيتَ رِعاءَ البَهْم يتطاوَلونَ في البُنيان، ورأيتَ الْحُفاةَ العُراةَ ملوك الأرض، ورأيتَ الأمةَ (?) تلدُ ربَّها، في خمسٍ لا يعلمُها إلا الله، {إنّ الله عندهُ علمُ الساعة} - ثم تلا إلى قوله -: {إنَّ الله عليم خبيرٌ} (لقمان: الآية 34) ، قال: لا والذي بعثَ محمدًا بالحقِّ هاديًا وبشيرًا، ما كنْتُ بأعلمَ به من رجل منكم، وإنه لجبريل نزل في صورة دِحيةَ الكَلْبيّ» (?) .

Sالبَهم: جمع بَهْمة، وهي صغار الغنم.

أشراطها: الأشراط: جمع شَرَط، وهو العلامة.

رؤوس الناس: أراد: مُقَدَّميهم، وسادَتَهُم.

الصُّمُّ: جمع أصم، وهو الذي لا يسمع شيئًا.

البُّكم: جمع أبكم، وهو الذي خُلق أخرس، لا يتكلم. -[217]-

ظَهراني: يقال: أقام فلانٌ بين أظهر قومه، وظَهرانَي قومه: أي أقام بينهم، والأظهرُ: جمع ظهرٍ، وفائدةُ إدخاله في الكلام: أنَّ إقامتهُ بينهم على سبيل الاستظهار بهم، والاستناد إليهم.

وأما ظهرانيهم: فقد زيدت فيه الألف والنون على ظهر، عند التثنية للتأكيد، وكأنَّ معنى التثنية: أنَّ ظهرًا منهم قُدَّامَهُ، وآخرَ وراءَهُ، فكأنَهُ مكنوف من جانبيه، هذا أصله، ثم كثر حتى استعمل في الإقامة بين القوم، وإن لم يكن مكنوفًا بينهم.

دكانًا: الدكَّان: الدكة المبنية للجلوس عليها.

السماط: السماطان من الناس والنخل: الجانبان، يقال: مشى بين السماطين، والمراد بالسماط: الجماعةُ من الناس الجلوسُ عنده.

دَنَس: الدنس: الوسخ، وقد دَنِس الثَّوْبُ إذا توسخ.

أُدْنُهُ: أمرٌ بالدنو، وهو القرب، والهاء فيه هاء السكت، جيءَ بها لبيان الحركة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015