جامع الاصول (صفحة 207)

2 - (م ت د س) يحيى بن يعمر: قال: كان أول من قال في القَدَر (?) بالبَصْرَةِ: مَعْبدٌ الجُهَنِيُّ، فَانْطَلَقْتُ أنا وحُمَيْدُ بنُ عبد الرحمن الحِمْيَريّ حَاجَّيْنِ، أو مُعْتَمِرَيْنِ، فقلنا: لو لَقِينا أحدًا من أصْحَابِ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - -[209]- فسألناه عما يَقول هؤلاء في القَدَر؟ فَوُفِّقَ لنا عبدُ الله بن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - داخلاً المسجد، فاكتنفتُه أنا وصَاحبي، أحدُنا عن يمينه، والآخَرُ عن شِماله، فظننتُ أنَّ صاحبي سَيَكِلُ الكلامَ إليَّ، فقلتُ: أبا عبد الرحمن! إنه قد ظَهَرَ قِبَلَنا أُنَاسٌ يَقرؤُون القُرآنَ، ويتَقَفَّرون الْعِلْمَ، وذكَرَ من شأنِهِمْ، وأنّهم يزعمون أن لا قَدَرَ، وأنَّ الأمْرَ أُنُفٌ، فقال: إذا لَقِيتَ أُولئك فأخْبِرْهم: أنِّي بَريءٌ منهم، أنَّهم بُرَآءُ مِني، والذي يَحْلِفُ به عبْدُ اللهِ بن عمر: لَوْ أن لأحَدِهِمْ مِثْلَ أُحُدِ ذَهَبًا فأنفَقَهُ، ما قَبِلَ اللهُ منه حتَّى يُؤمِنَ بالقدَرِ، ثم قال: حدَّثَنِي أبي عُمرُ بنُ الخطَّاب، قال: بَيْنَما نحنُ جلوسٌ عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذَاتَ يومٍ، إذ طَلعَ عليْنا رجلٌ شَديدُ بياض الثِّياب، شديدُ سوادِ الشَّعر، لا يُرى عليه أثرُ السَّفَر، ولا يعرفُه مِنَّا أحدٌ، حتَّى جَلَسَ إلى النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - فأسْندَ رُكْبَتَيْهِ إلى رُكْبَتَيْهِ، ووَضعَ كَفَّيْهِ عَلَى فَخِذَيهِ وقال: يا محمَّدُ، أخبرني عن الإسلام، فقالَ رسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: «الإسلام أن تَشهدَ أن لا إله إلا الله، وأنَّ محمَّدًا رسولُ الله، وتُقيمَ الصَّلاة، وتؤتيَ الزكاة، وتصومَ رمضان، وتَحُجَّ البيْتَ إن استطعت إليه سبيلاً» . قال: صدقت، قال: فَعَجِبنا لَهُ يَسْألُه ويُصدِّقُه، قال: فأخبرني عن الإيمان؟ قال: «أنْ تُؤمن باللهِ، ومَلائِكَتِهِ، وكتبه، ورُسُلِه، واليوم الآخر، وتؤمن بالقدَر خَيْرِهِ وشَرِّهِ» . قال: صدَقْتَ، قال: فأخبرني عن الإحسان، قال: «أن تعبدَ الله كأنك تراه، فإن لم تكن تَراه، فإنه يَراكَ» . قال: فأخبرني عن الساعة؟ قال: «ما المسؤول -[210]- عنها بِأعْلَمَ من السَّائِلِ» . قال: فأخبرني عن أماراتها؟ قال: «أنْ تَلِدَ الأمَةُ رَبَّتُها، وأنْ تَرَى الحُفَاةَ الْعُرَاةَ، العالَةَ رِعاءَ الشاءِ يتَطاوَلون في البُنْيان» ، قال: ثم انطلَقَ، فلبِثَ (?) مَليًّا ثم قال لي: «يا عمر، أتدري مَنِ السَّائل؟» قُلْتُ: الله ورسُولُه أعلم، قال: «فإنَّه جبريل أتاكم يُعلِّمُكم دينَكُمْ (?) » ، هذا لفظُ مُسْلِمٍ.

قال الْحُمَيْدِيُّ: جَمعَ مُسلِمٌ فيه الروايات، وذكَرَ ما أوْرَدْنا من المَتْنِ، وأنَّ في بعض الرِّوايات زيادةً ونُقصانًا.

وأخْرَجهُ الترمذيُّ بنحوه، وتقديم بعضه وتأخيره.

وفيه: قال عُمرُ: فلقيني رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - بعدَ ثلاثٍ، فقال لي: «يا عُمَرُ، هل تدري مَنِ السائل؟ ... » الحديث.

وأخرجه أبو داود بنحوه، وفيه «فَلَبِثَ ثلاثًا (?) » .

وفي أخرى له: قال: فما الإسلام؟ قال: «إقامُ الصلاة، وإيتاء الزكاة، وحجُّ البيت، وصوم شهر رمضان، والاغتسال من الجنابة» . -[211]-

وفي أخرى لأبي داود: عن يحيى بن يَعْمَرَ، وحُمَيْد بن عبد الرحمن قالا: لَقِينَا عبد الله بن عمر، فذكرنا له القدَرَ، وما يقولون فيه؟ فذكر نحوه، وزاد: قال: وسأله رجل من مُزَينة، أو جهَينة، فقال: يا رسول الله، فيم نعمل؟ في شيء خلا ومضى، أو شيء يُستأنف الآن؟ قال: «في شيء (?) خلا ومضى» . فقال الرَّجل- أوْ بَعْضُ القوم - ففيمَ العملُ؟ قال: «إن أهل الجنَّة مُيسَّرون (?) لعمل أهل الجنة، وإنَّ أهل النار مُيسَّرون (?) لعمل أهل النار» .

وأخرجه النّسائي مثلَ رواية مسلم، إلا أنَّه أسقط حديثَ يحيى بن يَعمَر، وذِكْرَ مَعْبَدٍ، وما جَرى له مَعَ ابنِ عُمَر في ذكر القَدَر - إلى قوله: «حتى تُؤمن بالقدَر» .

وأوَّلُ حديثه قال ابن عمر: حدّثني أبي - وسرد الحديث إلى قوله - «البُنيان» . ثم قال: قال عُمَرُ: فلبث ثلاثًا، ثم قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «أتدري من السائل؟ ... » الحديث.

وزاد هو والترمذي وأبو داود بعد «العُراةِ» - «العَالَة» (?) . -[212]-

Sالقَدَر: القَدرُ: مصدر قَدَرَ يَقْدُر، وقد تُسكَّنُ داله، وهو ما قضاه الله تعالى، وحكم به من الأمور.

اكتنفه: كَنفْتُ الرَّجُلَ واكْتَنفتهُ، أي صرتُ مما يليه، وكذلك إذا قُمت بأمره.

سَيَكِلُ: وكَلت الأمر إليه أكِلُهُ: إذا رددته إليه، واعتمدت فيه عليه، واستكفيته إياه.

يقتفرون: الاقتفار، والتقفر، والاقتفاء، والاقتداء: الاتباع، يقال: اقتفرت الأرض والأثر، وتقفرت.

الأنف: أنف: أي مستأنف، من غير أن يسبق له سابق قضاء وتقدير، وإنما هو مقصور على الاختيار.

الإحسان: قال الخطابي: إنما أراد بالإحسان هنا: الإخلاص، وهو شرط في صحة الإيمان، والإسلام معًا، وذلك أن من تلفظ بالكلمة، وجاء بالعمل من غير نية وإخلاص لم يكن محسنًا، ولا كان إيمانه صحيحًا.

رَبتها، وربها: الرب: السيد، والمالك، والصاحب، والمدبر، والمربي، والمولى، والمراد به في الحديث: السيد، والمولى، وهي الأمة تلد للرجل فيكون ابنها مولى لها، وكذلك ابنتها، لأنها في الحسب كأبيها، -[213]- والمراد: أن السبي يكثر، والنعمة تفشو في الناس وتظهر.

رعاء الشاء: الرعاء: جمع راع، والشاء: جمع شاة.

مَلِيّاً: المليُّ: طائفة من الزمان طويلة، يقال: مضى مليٌّ من النهار، أي: ساعة طويلة منه.

العالة: الفقراء: جمع عائل، والعيل: الفقر.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015