من حيث لا تحتسب رضي الله عنهم وأعاد علينا من بركاتهم.
قيل أن عبد الله بن معمر القيسي كان أميراً من أمراء العرب وكان بطلا شجاعاً جواداً ذا مروءة وافرة قال حججت سنة من السنين إلى بيت الله الحرام وصحبت مالاً كثيراً ومتجراً عزيزاً، فلما قضيت حجي عدت لزيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم فبينما أنا ذات ليلة بين القبر والمنبر في الروضة إذا سمعت أنيناً عالياً وحسَّاً بادياً فانصت إليه فإذا هو يقول:
أشجاك نوحُ حمائم الدرِّ ... فأهجن منك بلابلَ الصدر
أم ذاد نومك ذكر غانيةٍ ... أهدت إليك وساوس الفكر
في ليلةٍ نام الخليُّ بها ... وخلفت بالأحزان والذكر
يا ليلةً طالت على دنفٍ ... يشكو الغرام وقلّة الصبّر
أسلمت من يهوى لحرِّ جوىً ... متوقّدٌ كتوقُّدِ الجمر
فالبدر يشهد أنّني دنفٌ ... بجمال حبِّ مشبّه البدر
قال ثم أنقطع الصوت ولم أر من أين جاء فبهت حائراً وإذا به قد أعاد البكاء والنحيب وهو يقول:
أشجاك من ريّا خيالُ زائرٌ ... والليل مسودُّ الذوائب عاكرُ
وأعتاد مهجتك الهوى فأبادها ... وأهتاج مقلتك المنام البائر
ناديت ليلى والظلام كأنّهُ ... يمٌّ تلاطم فيه موجٌ زاخر
والبدر يسري في السماء كأنّه ... ملكٌ تبدّى والنجوم عساكر