(هَيْهَات بَغْدَاد الدُّنْيَا بأجمعها ... عندى وسكان بَغْدَاد هم النَّاس)
قَالَ وأنشدنى لغيره
(سقى الله بَغْدَاد من جنَّة ... حوت كل مَا تشْتَهى الْأَنْفس)
(على أَنَّهَا جنَّة الموسرين ... وَلكنهَا حسرة الْمُفلس)
وَمن عَجِيب شَأْنهَا على أَنَّهَا كَونهَا الحضرة الْكُبْرَى لاستيطان الْخُلَفَاء إِيَّاهَا لَا يَمُوت بهَا خَليفَة كَمَا قَالَ عمَارَة بن عقيل بن جرير بن بِلَال
(أعاينت فى طول من الأَرْض وَالْعرض ... كبغداد دَارا إِنَّهَا جنَّة الأَرْض)
(قضى رَبهَا أَلا يَمُوت خَليفَة ... بهَا إِنَّه مَا شَاءَ فى خلقه يقْضى)
وَلما فرغ الْمَنْصُور من بنائها فى سنة سِتّ وَأَرْبَعين وَمِائَتَيْنِ أَمر نوبخت المنجم وَكَانَ مُتَقَدما فى علم النُّجُوم بِأَن يَأْخُذ الْمطَالع ويتعرف أحوالها فَفعل وَوجد الْمُشْتَرى فى الْقوس والقوس طالعها فَأخْبرهُ بِمَا تدل عَلَيْهِ النُّجُوم من طول ثباتها وَكَثْرَة عمارتها وانصباب الدُّنْيَا عَلَيْهَا وفقر الْمُلُوك والسوقة إِلَيْهَا فسر الْمَنْصُور وَقَرَأَ {ذَلِك فضل الله يؤتيه من يَشَاء وَالله ذُو الْفضل الْعَظِيم} ثمَّ قَالَ لَهُ نوبخت وخصلة أُخْرَى يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ هى من أعجب خصائصها قَالَ مَا هى قَالَ لَا يَمُوت بهَا خَليفَة أبدا فَجرى الْأَمر فِيهِ على حكمه إِلَى زَمَاننَا هَذَا بِإِذن الله تَعَالَى وَذَلِكَ أَن الْمَنْصُور مَاتَ بِمَكَّة والمهدى بِمَا سبذان والهادى بعيسا آباد والرشيد بطوس وَقتل الْأمين وَمَات الْمَأْمُون بطرسوس والمعتصم بسر من رأى والواثق بهَا وَقتل المتَوَكل وَمَات الْمُنْتَصر بسر من رأى وخلع المستعين وَكَذَلِكَ المعتز وَقتل المهتدى وَمَات الْمُعْتَمد بالحسنية وَكَذَلِكَ المعتضد والمكتفى وَقتل المقتدر