836 - (جنَّة الأَرْض) يُقَال لبغداد جنَّة الأَرْض ومجتمع الرافدين دجلة والفرات وواسطة الدُّنْيَا ومدينة السَّلَام وقبة الْإِسْلَام لِأَنَّهَا غرَّة الْبِلَاد وَدَار الْخلَافَة وَمجمع المحاسن والطيبات ومعدن الظرائف واللطائف وَبهَا أَرْبَاب النهايات فى كل فن وآحاد الدَّهْر فى كل نوع

وَكَانَ أَبُو إِسْحَاق الزّجاج يَقُول بَغْدَاد حَاضِرَة الدُّنْيَا وَمَا عَداهَا بادية

وَكَانَ أَبُو الْفرج الببغاء يَقُول هى مَدِينَة السَّلَام بل مَدِينَة الْإِسْلَام فَإِن الدولة النَّبَوِيَّة والخلافة الإسلامية بهَا عششتا وفرختا وضربتا بعروقها وسمتا بفروعها وَإِن هواءها أعدل من كل هَوَاء وماءها أعذب من كل مَاء ونسيمها أرق من كل نسيم وهى من الإقليم الاعتدالى بِمَنْزِلَة المركز من الدائرة وَلم تزل موطن الأكاسرة فى سالف الْأَزْمَان ومنزل الْخُلَفَاء فى دولة الْإِسْلَام

وَكَانَ أَبُو الْفضل بن العميد إِذا طَرَأَ عَلَيْهِ أحد من منتحلى الْعلم وَأَرَادَ امتحان عقله سَأَلَهُ عَن بَغْدَاد فَإِن فطن عَن خواصها وَنبهَ على محاسنها وَأثْنى عَلَيْهَا خيرا جعل ذَلِك مُقَدّمَة فَضله وعنوان عقله ثمَّ سَأَلَهُ عَن الجاحظ فَإِن وجد عِنْده أثرا بمطالعة كتبه والاقتباس من أَلْفَاظه وَبَعض الْقيَاس بمسائله قضى بِأَنَّهُ غرَّة شادخة فى الْعلم وَإِن وجده ذاما لبغداد غافلا عَمَّا يجب أَن يكون موسوما بِهِ من الانتساب إِلَى المعارف الَّتِى يخْتَص بهَا الجاحظ لم ينْتَفع بعد ذَلِك عِنْده بشىء من المحاسن

وَلما رَجَعَ الصاحب من بَغْدَاد وَسَأَلَهُ ابْن العميد عَنْهَا قَالَ بَغْدَاد فى الْبِلَاد كالأستاذ فِي الْعباد فَجَعلهَا مثلا فى الْغَايَة من الْفضل والكمال

وأنشدنى ابْن زُرَيْق الكوفى الْكَاتِب

(سَافَرت أبغى لبغداد وساكنها ... مثلا قد اخْتَرْت شَيْئا دونه الياس)

طور بواسطة نورين ميديا © 2015