كثير مَنَافِعه كَمثل الْغَيْث الذى هُوَ سقيا الله وبركة السَّمَاء وحياة الأَرْض وَمن عَلَيْهَا وَقد يتَأَذَّى بِهِ السّفر ويتداعى لَهُ الْبُنيان وتدر سيوله فَيهْلك النَّاس وَالدَّوَاب ويموج لَهُ الْبَحْر وَتَكون فِيهِ الصَّوَاعِق فَلَا يمْتَنع النَّاس إِذا نظرُوا غلى آثَار رَحْمَة الله فى الأَرْض الَّتِى أَحْيَاهَا لَهُم والنبات الذى أخرجه والرزق الذى بَسطه عَن أَن يعظموا نعْمَة رَبهم ويشكروها ويلغوا ذكر خَواص البلايا الَّتِى دخلت على خَواص الْخلق وكمثل الرِّيَاح الَّتِى يرسلها الله بشرا بَين يدى رَحمته فيسوق بهَا السَّحَاب ويجعلها لقاحا للأشجار وروحا للعباد ويتنسمون مِنْهَا ويتقلبون فِيهَا وتجرى مِيَاههمْ وفلكهم وتقد نيرانهم بهَا وَقد تضر بِكَثِير من النَّاس فى برهم وبحرهم فيشكوها الشاكى ويتأذى بهَا المتأذى فَلَا يزيلها ذَلِك عَن منزلهَا الَّتِى جعلهَا الله بِهِ وقدرها سَببا لقوام عباده وَتَمام نعْمَته وَمثل الشتَاء والصيف وَاللَّيْل وَالنَّهَار وَمَا فيهمَا من قَلِيل المضار وَكثير الْمَنَافِع وَلَو أَن الدُّنْيَا كَانَت كلهَا سَوَاء وَكَانَت نعماؤها من غير كد وميسورها من غير معسور لكَانَتْ الدُّنْيَا إِذن هى الْجنَّة الَّتِى لَا يشوب مسرتها مَكْرُوه وَقد ذكر أَبُو تَمام يتيمه ابْن المقفع وأجراها مثلا فى قَوْله لِلْحسنِ ابْن وهب
(وَلَقَد شهدتك وَالْكَلَام لآلى ... توم فبكر فى النظام وثيب)
(فَكَأَن قسا فى عكاظ يخْطب ... وَكَأن ليلى الأخيلية تندب)
(وَكثير عزة يَوْم بَين ينْسب ... وَابْن المقفع فى الْيَتِيمَة يسهب)