ممَّا تقدَّم ذكرُه في توضيحِ معنى الاجتهادِ والمُجتهد دالٌّ على حصرِ الاجتهادِ فيما لم تبتَّ به نصوصُ الكتابِ والسُّنَّة، فيبقى فيه مجالٌ للنَّظرِ، أمَّا القضايا والأحكامُ الَّتي قطعتْ فيها النُّصوصُ فالأصلُ فيها التَّوقُّفُ عند النَّصِّ من غيرِ زيادةٍ ولا استدراكٍ ولا وجهٍ من التَّغيير، وعليه فيخرُج من الاجتهادِ أمورٌ، هيَ:
1ـ العقائدُ: فهي كلُّها توقيفيَّة، ولهذا امتنعَ اشتِقاقُ الأسماءِ الحسنى من صفاتِ الأفعالِ، فإنَّ الله تعالى هو الَّذي سمَّى نفسهُ في كتابهِ وعلى لسانِ رسولهِ - صلى الله عليه وسلم - بما شاءَ من الأسماءِ، ولسنَا نُدركَ الحُسنَ فيها ليصحَّ لنا القياسُ، فلا يسمَّى الله تعالى: راضيًا ولا ساخطًا ولا غاضبًا، ولا ماكرًا ولا مُهلكًا، ولا غير ذلكَ من الأسماءِ اشتقاقًا من صفاتِ فعلِه: الرِّضى، والسَّخطِ، والغضبِ، والمكرِ، والإهلاكِ.
كما يمتنعُ القياسُ لصفاتِه بصفاتِ خلقِهِ بأيِّ وجهٍ من الوُجوهِ، كقول من قالَ: (لله عينان) على التثنيَّة، استِلالاً بأنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قالَ في المسيحِ الدَّجالِ: ((إنَّه أعورُ، وإنَّ ربَّكُم ليسَ بِأعورَ)) [متفقٌ عليه من حديث أنسٍ] ، والعورُ في اللُّغة: زوالُ حاسَّةِ البصرِ في إحدَى العينينِ، فيحثُ نفاهُ عن الله تعالى فقدْ دلَّ على أنَّه لهُ عينينِ صحِحتَينِ، فهذا القولُ زيادَةٌ على الأدلَّةِ بتفسيرٍ استُفيدَ من العُرفِ في المخلوقِ، وإنَّما