المُجتهدينَ فرضٌ على الأمَّةِ المُسلمَةِ حتَّى تتحقَّقَ كِفايتُها، لا يملِكُ أحدٌ من الخلقِ أن يُلغي ذلكَ.
ولقد كانَ من أبطلِ النَّاسِ قولاً من زَعَم أنَّ الاجتهادَ قدْ أُغلِقَ بابَهُ، بلْ هذا القولُ من الضَّلالِ البيِّنِ مهمَا أُلصِق بهِ من المُبرِّراتِ.
لمَّا كانَ الاجتهادُ تنزيلاً للقواعِدِ والعُمومَاتِ الشَّرعيَّةِ على المسائلِ المُعيَّنةِ بنظرِ المُجتهِدِ، فإنَّهُ مهمَا قويَتْ ملكَتُه وقُدرتُه فقولهُ غيرُ معصومٍ، فيجوزُ عليه الخطأُ، ومن أجلِ هذا وقعَ الاختلافُ بينَ الفُقهاءِ، إلاَّ أنَّهُ لما كانَ قصدُ المجتهدِ إصابَةَ الحقِّ من الدِّينِ، كانَ خطؤهُ مغفورًا، بلْ لجلالةِ قدْرِ الاجتهادِ فإنَّهُ لم يُجازَ بمُجرَّدِ العُذرِ في الخطإ، إنَّما أثيبَ على ما بذلَ من الجُهدِ في الاجتهادِ، كما قال النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: ((إذا حكَمَ الحاكِمُ فاجتَهَدَ ثمَّ أصابَ فلهُ أجرانِ، وإذا حَكَم فاجتهَدَ ثمَّ أخطأَ فلهُ أجرٌ)) [متفقٌ عليه عن عمرِو بن العاصِ وأبي هريرَةَ] .
ومن لازِمٍ هذا: ضرُورَةُ استِمرارِ طلبِ الحقِّ في المسائِل المُختلفِ فيها حرصًا على إصابَةِ وجهِهِ، فإنَّ الحقَّ واحدٌ لا يتعدَّدُ، ولا يُمكنُ أن يُرادَ في حكمِ الله ورسولهِ - صلى الله عليه وسلم - القولاَنِ المُختلفَانِ.
ومن لازِمِه أيضًا: بُطلانَ العصبيَّةِ للمذاهبِ الفقهيَّةِ، وامتناعُ ظنِّ العِصمَةِ لأحدٍ من الفُقهاءِ.