وذكر له رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - الزَّكاةَ، قال: هلْ عليَّ غيرُها؟ قال: ((لا، إلاَّ أن تطوَّعَ)) ، قال: فأدبرَ الرَّجلُ وهو يقولُ: والله لا أزيدُ على هذا ولا أنقصُ، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((أفلحَ إنْ صدَقَ)) .
ولكنَّ الصِّدقَ في ذلك أمرٌ مظنونٌ، والعبدُ يعملُ العملَ لا يضمنُ إتقانَهُ من كلِّ وجوهِهِ، لذلكَ يبقى محتاجًا إلى التَّطوعِ، ولا يحسنُ به أن يتركهُ طولَ عمُرِهِ معتمدًا على أدائهِ الفرائضَ، فإنَّ خير الهديِ هديُ محمَّد - صلى الله عليه وسلم -، وقد كان المثلُ الأعلى في المحافظةِ على كثرةِ التَّطوعَاتِ.
*مسألة:
ذهبَ الحنفيَّةُ والمالكيةُ إلى أنَّ من شرعَ في التَّطوعِ فإنَّهُ يصيرُ عليهِ واجبًا بِمجرَّدِ الشُّرُوعِ، فليسَ له إبطالُهُ ولا الخُرُوجُ منهُ، فإنْ خرجَ منهُ لزمَهُ القضاءُ عند الحنفيَّةِ، وعند المالكيَّةِ: يلزمُهُ القضاءُ إذا خرجَ منهُ بغيرِ عذْرٍ، ولا يلزمُهُ إذَا خرجَ منهُ بعذْرٍ.
واستدلُّوا بعمُومِ قولهِ تعالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [محمد: 33] .
ومذهبُ الشَّافعيِّ وأحمدَ وسفيانَ الثَّورِيِّ: هو تطوُّعٌ قبلَ الشُّروعِ فيهِ وبعدَهُ، وليسَ عليهِ قضاءٌ لو تركهُ، إنما الأمرُ له إن شاءَ قضَى وإنْ شاءَ تركَ، وهذه الآيةُ ليستْ في ذلكَ، إنَّما هي في إبطالِ الحسناتِ