الناس أن هذا القول المزور أعظم مكابرة ومباهتة من قول الأولين، وأن هذا الافتراء الذي ولدوه بعد مئات السنين أوضح ضلالا وظلما وجراءة ووقاحة من زور الأولين، وأن هؤلاء الأراذل الذين أعجبوا بآرائهم وتاهوا بعقولهم قد بين الله كذبهم فيما قالوه، وأن عقولا ولدت هذه الأقوال المؤتفكة والخيالات الفاسدة والمقالات الفاسدة لعقول سافلة وآراء ساقطة، يعرف فسادها بنتائجها ومكابرتها، وإنكارها أجلى الحقائق، ولهذا قال تعالى: {قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [الفرقان: 6]
فالرب القادر العظيم، الذي أحاط علمه بجميع الأسرار، وعلم أحوال العباد حاضرها ومستقبلها، فأنزله لهدايتهم، وجعله منارا وعلما يهتدي به المهتدون في كل وقت وحين.
فجميع الحقائق التي دعا إليها هذا الرسول وهذا القرآن حقائق ثابتة نافعة للعباد، لا يأتي من الحقائق ما يغيرها، ومحال أن يأتي شيء أصلح منها أو مثلها أو يقاربها: {وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} [المائدة: 50]
ومن كمال علمه وقدرته أنه لو تقول عليه أحد بمثل هذه المقالة لعاجله بالعقوبة، فلما أيد من جاء بها بنصره وحججه، ورأى العباد آياته في الآفاق وفي أنفسهم، التي يتبين بها أنه الحق، وما سواه ضلال، علم بذلك أن هذا الرسول أصدق الخلق وأنصحهم وأبرهم وأعلمهم وأخشاهم وأتقاهم لربه، وأن أعداءه المكذبين له أكذب الخلق وأغشهم، وأعظمهم جهلا وضلالا وغيا وفسادا في كل زمان ومكان.
ومن مكابرة أعداء الرسول أنهم جعلوا يتناقضون في مقالاتهم، ويتفننون في إفكهم المكشوف كذبه، فمنهم من قال: إنه مجنون، ومنهم من قال: ساحر