وأما حسنة الآخرة فهي السلامة من العقوبات التي يستقبلها العباد من عذاب القبر والموقف وعذاب النار، وحصول رضا الله، والفوز بالنعيم المقيم، والقرب من الرب الرحيم، فهذا الدعاء أجمع الأدعية وأكملها وأولاها بالإيثار، ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر من الدعاء به، ويحث عليه.

ولما أكمل الله تعالى أحكام النسك أمر بالإكثار من ذكره في الأيام المعدودات، وهي أيام التشريق في قول جمهور المفسرين، وذلك لمزيتها وشرفها وكون بقية المناسك تفعل بها، ولكون الناس فيها أضيافا لله، ولهذا حرم صيامها، فللذكر فيها مزية ليست لغيرها؛ ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: «أيام التشريق أيام أكل وشرب وذكر لله» ، ويدخل في ذكر الله رمي الجمار، والتكبير عند رميها، والدعاء بين الجمرتين، والذبح والتسمية فيه، والصلوات التي تفعل فيها من فرائض ونوافل، والذكر المقيد بعد الفرائض فيها، وعند كثير من أهل العلم أنه يستحب فيها التكبير المطلق كالعشر، فجميع ما يقرب إلى الله داخل بذكره: {فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ} [البقرة: 203] أي: خرج من منى، ونفر منها قبل غروب الشمس فلا إثم عليه، ومن تأخر بأن بات بها ليلة الثالث من أيام التشريق؛ ليرمي من غده فلا إثم عليه، وهذا تخفيف من الله على عباده حين أباح الأمرين، مع أن التأخر أرجح لموافقته فعل النبي صلى الله عليه وسلم وزيادة العبادات، وقوله: {لِمَنِ اتَّقَى} [البقرة: 203] هذا من الاحتراز العالي، لأن نفي الحرج يوهم العموم، فقيل ذلك بهذا الشرط الذي هو شرط لنفي الحرج في كل شيء، {وَاتَّقُوا اللَّهَ} [البقرة: 203] بامتثال أوامره، واجتناب نواهيه، {وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} [البقرة: 203] فمجازيكم بأعمالكم، فمن اتقاه وجد عنده جزاء المتقين، ومن لم يتقه عاقبه عقوبة تارك التقوى، فإن التقوى هي ميزان الثواب والعقاب في القائم بها والمضيع لها، فالعلم بالجزاء والإيمان به هو أعظم الدواعي للقيام بالتقوى.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015