لهذه العبادة العظيمة وتكميلها، وهكذا ينبغي للعبد كلما فرغ من عبادة أن يستغفر الله عن التقصير، ويشكره على التوفيق، فهذا حقيق بأن الله يجبر له ما نقص منها ويتقبلها، ويزيده نعما أخرى، لأن من جهل حق ربه فرأى نفسه أنه قد كمل حقوق العبادة فأعجب بنفسه، ومن بعبادته على ربه، وتراءى له أنه قد جعلت له محلا ومنزلة رفيعة، فهذا حقيق بالمقت، ويخشى عليه من رد العمل.
ثم أخبر تعالى عن أحوال الخلق، وأن الجميع يسألونه مطالبهم، ويستدفعونه ما يضرهم؛ ولكن هممهم ومقاصدهم متباينة، فمنهم من يقول: {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا} [البقرة: 200] أي: يسأل ربه من مطالب دنياه وشهواته فقط، {وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ} [البقرة: 200] لا رغبة له فيها، ولا حظ له منها، ومنهم عالي الهمة من يدعو الله لمصلحة الدارين، ويفتقر إلى ربه في مهمات دينه ودنياه، وكل من هؤلاء وهؤلاء له نصيب من كسبهم وعملهم، وسيجازيهم الله على حسب أعمالهم ونياتهم، جزاء دائرا بين الفضل والإحسان والكرم للمقبولين، وبين العدل والحكمة لغيرهم، وفي هذه الآية دليل على أن الله تعالى يقبل دعوة كل داع، مسلما كان أو كافرا، برا أو فاجرا، ولكن ليست إجابته دعاء من دعاه دليلا على محبته وقربه منه إلا في مطالب الآخرة ومهمات الدين، فمن أجيبت دعوته في هذه الأمور الدائم نفعها كان من البشرى، وكان أكبر دليل على بره وقربه من ربه.
والحسنة المطلوبة في الدنيا يدخل فيها كل ما يحسن وقعه عند العبد، وما به تكمل حياته، من رزق هنيء واسع حلال، وزوجة صالحة، وولد تقر به العين، ومن راحة وعلم نافع وعمل صالح، وما يتبع ذلك من المطالب النافعة المحبوبة والمباحة.