أَي الْحَنَفِيَّة (الْقيَاس أصلا من وَجه) لَا يثبت الحكم عَلَيْهِ ظَاهرا (فرعا من وَجه) آخر (لثُبُوت حجيته بِالْكتاب وَالسّنة). قَالَ الشَّارِح وَإِجْمَاع الصَّحَابَة، وَلَعَلَّه لم يذكرهُ لعدم الْجَزْم بإجماعهم، وَإِنَّمَا قُلْنَا لابتنائه عَلَيْهِ ظاهرأ لِأَن الْقيَاس مظهر لَا مُثبت. ثمَّ إِن قَوْله وَجعل مُبْتَدأ خَبره (يُوجب مثله) أَي الْكَوْن أصلا من وَجه فرعا من آخر (فِي السّنة) لثُبُوت حجيتها بِالْكتاب كَقَوْلِه - {وَمَا آتَاكُم الرَّسُول فَخُذُوهُ} -: إِلَى غير ذَلِك (وَالْإِجْمَاع) لثُبُوت حجيته بِالْكتاب وَالسّنة، فَلَا مُوجب للاقتصار على الْقيَاس. وَقيل إفرد بِالذكر لِأَنَّهُ أصل فِي الْفِقْه فَقَط، وَهِي أصل لَهُ ولعلم الْكَلَام (وَالْأَقْرَب) أَي إِفْرَاده بِالذكر (لاحتياجه فِي كل حَادِثَة إِلَى أَحدهَا) إِذْ لَا بُد لَهُ من عِلّة مستنبطة من أَحدهَا، وَعدم احتياجها إِلَيْهِ على هَذَا الْوَجْه (وَلَا يرد الْإِجْمَاع) نقضا على التَّعْلِيل الْمَذْكُور بِنَاء (على عدم لُزُوم الْمُسْتَند) لَهُ: يَعْنِي لَا يُقَال أَن الْإِجْمَاع أَيْضا مُحْتَاج إِلَى أَحدهَا إِذا قُلْنَا أَنه لَا يلْزم أَن يكون لَهُ مُسْتَند كَمَا ذهب إِلَيْهِ قوم وَقَالُوا: يجوز أَن يخلق فيهم علما ضَرُورِيًّا، ويوفقهم جَمِيعًا لاختيار الصَّوَاب، وَهَذَا ظَاهر (وَلَا) يرد أَيْضا (على لُزُومه) أَي على القَوْل بِلُزُوم الْمُسْتَند فِي الْإِجْمَاع كَمَا هُوَ قَول الْجُمْهُور (لِأَن الْمُحْتَاج إِلَيْهِ) أَي الْمُسْتَند (قَول كل) أَي كل وَاحِد وَاحِد (وَلَيْسَ) قَول كل وَاحِد (إِجْمَاعًا، بل هُوَ) أَي الْإِجْمَاع (كلهَا) أَي مَجْمُوع الْأَقْوَال (المتوقف على) قَول (كل وَاحِد، وَلَا يحْتَاج) الْمَجْمُوع إِلَى مُسْتَند (وَإِلَّا) أَي وَإِن لم يكن كَذَلِك بِأَن يحْتَاج الْمَجْمُوع إِلَى مُسْتَند (كَانَ الثَّابِت لَهُ) أَي بِالْإِجْمَاع (بمرتبة الْمُسْتَند) أَي فِي رتبته، وَلَيْسَ كَذَلِك لِأَن الثَّابِت بِهِ قَطْعِيَّة الحكم، وَالثَّابِت بالمستند ظنيته، وَأَيْنَ الْقطع من الظَّن؟. وَقد يُقَال: سلمنَا أَنه لَا يحْتَاج إِلَيْهِ بِنَفسِهِ، لكنه يحْتَاج بِوَاسِطَة مَا يتَوَقَّف عَلَيْهِ، وَبِه ثَبت الفرعية من وَجه وَيصير كالقياس. وَيُمكن أَن يُجَاب عَنهُ بِأَن حجية الْإِجْمَاع، وإفادته الْقطع يسْتَند إِلَى عصمَة الْكل عَن الْخَطَأ استنادا يضمحل بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ اعْتِبَار مدخلية السَّنَد الْمَذْكُور فِي أصل انْعِقَاده بِحَسب مَا يَجْعَل مُحْتَاجا إِلَيْهِ فِي حجيته، وَهَذَا أولى مِمَّا قيل: أَن الْإِجْمَاع إِنَّمَا يحْتَاج إِلَى الْمُسْتَند فِي تحَققه لَا فِي نفس الدّلَالَة على الحكم، فَإِن الْمُسْتَدلّ بِهِ لَا يلْتَفت إِلَيْهِ بِخِلَاف الْقيَاس فَإِن الِاسْتِدْلَال بِهِ لَا يُمكن بِدُونِ مُلَاحظَة الثَّلَاثَة فَتدبر.
(الْكتاب) هُوَ (الْقُرْآن) تعريفا (لفظيا) فَإِنَّهُمَا مُتَرَادِفَانِ عرفا، غير أَن الْقُرْآن أشهر (وَهُوَ) أَي الْقُرْآن (اللَّفْظ الْعَرَبِيّ الْمنزل للتدبر والتذكر الْمُتَوَاتر) فاللفظ جنس يعم الْكتب السماوية وَغَيرهَا، والعربي يخرج غير الْعَرَبِيّ من الْكتب السماوية وَغَيرهَا، والمنزل بِلِسَان جِبْرِيل عَلَيْهِ السَّلَام على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يخرج مَا لَيْسَ بمنزل من الْعَرَبِيّ. وَقَوله للتدبر والتذكر لزِيَادَة التَّوْضِيح، والتدبر: التفهم