تيسير التحرير (صفحة 371)

ضِدّه فَتَأمل (وَمَا قيل لَو سلم) أَن الْأَمر بالشَّيْء مُتَضَمّن للنَّهْي عَن ضِدّه (فَلَا مُبَاح) إِذْ ترك الْمَأْمُور بِهِ وضده يعم الْمُبَاحَات، والمفروض أَن الْأَمر يسْتَلْزم النَّهْي عَنْهَا، والمنهي عَنهُ لَا يكون مُبَاحا (فَغير لَازم) إِذْ المُرَاد من الضِّدّ الْمنْهِي عَنهُ المفوت لِلْأَمْرِ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (وَإِلَّا) أَي وَلَو كَانَ مستلزما نفي الْمُبَاح بِأَن يكون مُرَاد المضمن من الضِّدّ كلما يتَحَقَّق فِيهِ ترك الْمَأْمُور بِهِ وَلم يُقيد بِمَا يفوتهُ (امْتنع) للمضمن المعمم (التَّصْرِيح فَلَا تعقل الضِّدّ المفوت) للْمَأْمُور بِهِ بعد الْأَمر لِأَن لَازم الْأَمر عِنْده على ذَلِك التَّقْدِير لَا بِفعل مُطلق الضِّدّ، فَبين لَازم الْكَلَام وَمَفْهُومه تدافع، وَمن الْمَعْلُوم عدم امْتنَاع تصريحه بذلك (والحل) أَي حل الشُّبْهَة (أَن لَيْسَ كل ضد) بِمَعْنى مَا يحصل بِهِ التّرْك (مفوتا) للْمَأْمُور بِهِ (وَلَا كل مُقَدّر) من الْمُبَاحَات (ضدا كَذَلِك) أَي مفوتا (كخطوه فِي الصَّلَاة، وابتلاع رِيقه، وَفتح عينه وَكثير) من نظائرها فَإِنَّهَا أُمُور مغايره بِالذَّاتِ للصَّلَاة، وَبِهَذَا الِاعْتِبَار يُطلق عَلَيْهَا الضِّدّ وَلكنهَا لَا تفوت الصَّلَاة (وَأَيْضًا لَا يسْتَلْزم) هَذَا الدَّلِيل (مَحل النزاع، وَهُوَ) أَي مَحل النزاع (الضِّدّ) الجزئي لِلْأَمْرِ وَهُوَ فعل خَاص وجودي مفوت للْمَأْمُور بِهِ (غير التّرْك) أَي ترك الْمَأْمُور بِهِ مُطلقًا، فَإِنَّهُ لَا نزاع فِي كَونه نهيا عَنهُ، غير أَنه لَا يلْزم بِهِ إِثْم عدم امْتِثَال الْأَمر، وَإِنَّمَا قُلْنَا مَا أَفَادَهُ الدَّلِيل خَارج عَن مَحل النزاع (لِأَن مُتَعَلق النَّهْي اللَّازِم) لِلْأَمْرِ ضَرُورَة (أحد الْأَمريْنِ: من التّرْك والضد) يَعْنِي النَّهْي الَّذِي يحكم الْعقل بلزومه لِلْأَمْرِ مُتَعَلّقه أحد الْأَمريْنِ لَا على التَّعْيِين، فللمانع أَن يَقُول لم لَا يجوز أَن يكون تحَققه فِي ضمن التّرْك؟ وَإِلَيْهِ أَشَارَ بقوله (فنختار الأول) فَيكون النَّهْي اللَّازِم إِنَّمَا هُوَ النَّهْي عَن ترك الْمَأْمُور بِهِ لَا النَّهْي عَن الضِّدّ، وَهُوَ لَيْسَ من مَحل النزاع لما عرفت فَإِن قلت قد ادّعى المُصَنّف استلزام الْأَمر للنَّهْي عَن ترك الْمَأْمُور بِهِ وَعَما يحصل بِهِ التّرْك وَهُوَ الضِّدّ مَعًا، فَمَا وَجه تَسْلِيم استلزامه لَهما جَمِيعًا قلت بالِاتِّفَاقِ لَيْسَ النَّهْي اللَّازِم لِلْأَمْرِ مُتَعَددًا، وَإِلَّا يلْزم إِثْبَات أَفْرَاد كَثِيرَة للمنهي بِعَدَد الأضداد الْجُزْئِيَّة وَاعْتِبَار ترك الْمَأْمُور بِهِ مُتَعَلقا بِالنَّهْي مغن عَن الْكل، لِأَنَّهُ يتَحَقَّق فِي ضمن كل ضد فَتعين لكَونه مُتَعَلقا للنَّهْي (وَزَاد المعممون فِي النَّهْي) الْقَائِلُونَ بِأَن النَّهْي عَن الشَّيْء يتَضَمَّن الْأَمر بضده كَمَا أَن الْأَمر يتَضَمَّن النَّهْي عَنهُ (أَنه) أَي النَّهْي (طلب ترك فعل وَتَركه) أَي الْفِعْل (بِفعل أحد أضداده) أَي الْفِعْل (فَوَجَبَ) أحد أضداده: وَهُوَ الْأَمر، لِأَن مَا لَا يحصل الْوَاجِب إِلَّا بِهِ فَهُوَ وَاجِب (وَدفع) هَذَا (بِلُزُوم كَون كل من الْمعاصِي إِلَى آخِره) أَي المضادة مَأْمُورا بِهِ مُخَيّرا (وَبِأَن لَا مُبَاح) أَي وبلزوم أَن لَا يُوجد مُبَاح أصلا لما مر من أَن كل مُبَاح ترك الْمحرم وضد لَهُ فَإِن قلت غَايَة مَا يلْزم وجود أحد الْمُبَاحَات المضادة لَا كلهَا قلت وجوب أحد الْأَشْيَاء لَا على التَّعْيِين

طور بواسطة نورين ميديا © 2015